فلعنني، وقال: إني على استعداد لأن أعبد الله إذا أخذ روحه.
ثم مستدركا: على أي حال ليس لدي ما أشكوه ما دمت أجد الجوزة في آخر النهار!
وكان أيضا قابعا في الفيشاوي - 1947 أو 1948 - عندما جاءه رسول من شقيقه ينعي إليه والده ويدعوه إلى القصر. كان مسطولا فلم يفهم من المرة الأولى، ولما أخذت الحقيقة تلاطمه وتوقظه وقف مترنحا، فحملق في الجدار المطعم بالأرابيسك، وسرح في غيابات لا يدريها أحد، ثم غادر المكان دون أن يلقي تحية وراءه. واستقبله أخوه - رئيس محكمة كان - وقال له: البقية في حياتك.
ومضى به إلى الداخل وهو يقول: ما كان كان، وهذه ساعة مقدسة تنسى فيها الأحقاد.
حتى أوصله إلى مخدع الباشا فأوسع له وهو يقول: ادخل فودع أباك ليغفر الله له ولك ولنا جميعا.
وتسلل عدلي إلى الحجرة - كما حكى لنا فيما بعد - ووقف وحده عند رأس الجثمان المسجى، ثم أزاح الغطاء عنه قليلا حتى انكشف وجهه المطوق، ونظر إليه مليا، ثم غمغم: إلى الجحيم يا قذر!
وأكثر من صوت قال: مستحيل ... مستحيل.
فنظر إليهم باحتقار لضعفهم وتمتم: كم وددت أن أمثل بجثته!
بعضنا لم يصدق كلمة مما حكى، والبعض آمن بكل حرف وخمن أنه ربما فعل أكثر مما قال، على أي حال ابتسمت له الدنيا بعد عبوس، وقد ترك الباشا أملاكا منها أرض وعقار وأموال سائلة، وكان نصيب عدلي عمارتين يدران دخلا صافيا قدره ألف جنيه في الشهر، بالإضافة إلى أربعين ألفا من الجنيهات، وقال كثيرون من أصدقائه: لقد كانت أعوام التشرد درسا أريد به أن يعرف قيمة القرش فيحسن معاملته!
والتف حوله أصدقاؤه عقب انفضاض المأتم واستبقوا إلى تخطيط صورة للمستقبل السعيد: من حسن الحظ أن مطالبك في الحياة معقولة وأنه بوسعك أن تعيش ملكا حتى آخر يوم في حياتك. - وفر لنفسك مسكنا جميلا، واعرض نفسك على طبيب كبير، واحمد ربك أنك لم تغو القمار، الطعام أمره هين، ومزاجك في النسوان متواضع، ولم نسمع عن أن الحشيش خرب بيت أحد، فمبارك عليك رزقك الحلال!
ناپیژندل شوی مخ