(خاتمة القول فى القياس) نذكر مثارات الغلط لتحذر وهى عشرة: (الأول): أن الاحتجاجات فى الأغلب تجرى مشوشة ويثور فيها غلط كثير فينبغى أن يتعود الناظر ردها إلى الترتيب المذكور ليعلم أنه قياس أم لا، وإن كان فهو من أى نوع، ومن أى شكل من الأنواع، ومن أى ضرب من الأشكال حتى ينكشف موضع التلبيس.
(الثانى): أن يلاحظ الحد الأوسط ويتأمله تأملا شافيا ليكون وقوعه فى المقدمتين على وجه واحد فانه إن تطرق إليه أدنى تفاوت بزيادة أو نقصان فسد القياس وأنتج غلطا. مثاله أنا ذكرنا أن السالبة الكلية تنعكس مثل نفسها، ولو قال قائل لا دن واحد فى شراب صدق وعكسه وهو أنه لا شراب واحد فى دن لا يصدق وهذا سببه أنه لم يراع شرط العكس. بل الواجب أن يقال لا دن واحد شراب فلا شراب واحد دن، وهذا صادق. فأما إذا زيد فى وقيل لا دن واحد فى شراب فعكسه هو لا شىء واحد مما هو فى الشراب دن وهو أيضا صادق، وموضع الغلط أن المحمول فى هذه القضية هو قولك فى شراب لا مجرد الشراب. فينبغى أن يصير هو بكماله موضوعا فى العكس، وإذا راعيت ذلك صدق العكس.
(الثالث): أن يراعى الحد الأصغر والحد الأكبر حتى لا يكون بينهما وبين طرفى النتيجة تفاوت البتة فان القياس يوجب اجتماع الحدين من غير تفاوت وهذا يعرف بما ذكرناه فى شروط النقيض.
(الرابع): أن يتامل فى الحدود الثلاثة وطرفى النتيجة حتى لا يكون فيهما اسم مشترك فان الاسم ربما يكون واحدا والمعنى متعدد فلا يصح القياس وهذا أيضا يعرف من شروط النقيض.
(الخامس): أن يراعى حروف الضمير مراعاة محققة فانه يختلف جهات احتمالة ويثور منه غلط كما لو قال كل ما عرفه العاقل فهو كما عرفه فقوله هو ربما يرجع إلى المعلوم وربما يرجع إلى العالم إذ قد تقول وهو قد عرف الحجر فهو اذن حجر.
(السادس): أن لا تقبل المهملات فانها تخيل الصدق ولو حصر المهمل تنبه العقل لكونه كاذبا فاذا قيل الانسان فى خسر قبلته النفس وصدقت به ولو حصر وقيل كل إنسان لا محالة فى خسر تنبه العقل لكون ذلك غير واجب على العموم فاذا قيل صديق عدوك عدوك قبلته النفس وإذا حصر وقيل كل من هو صديق عدوك فلا بد وأن يكون عدوك تنبه العقل لكون ذلك غير واجب بالضرورة على العموم (السابع): أنك قد تصدق بمقدمة فى القياس ويكون سبب التصديق أنك طلبت له نقيضا بذهنك فما وجدته وهذا لا يوجب التصديق بل صدق إذا علمت أنه ليس له نقيض فى نفسه لا أنك لم تجده فانه ربما يكون وأنت لا تجده فى الحال كتصديقك بقول القائل ان الله قادر على كل أمر إذ لا يخطر ببالك شىء إلا وتصدق إن الله قادر عليه إلى أن يخطر ببالك أنه لا يقدر على خلق مثله فتتنبه لخطئك فى التصديق فالصادق أنه قادر على كل أمر ممكن فى نفسه وهذا ليس له نقيض فى نفسه البتة.
(الثامن):أن يراعى حتى لا يجعل المسئلة مقدمة فى القياس فتكون قد صادرت على نفس المطلوب كما يقال إن الدليل على أن كل حركة تحتاج إلى محرك أن المتحرك لا يتحرك بنفسه فان هذه نفس الدعوى وقد غير لفظه وجعل دليلا.
(التاسع): أن لا يصحح الشىء بأمر لا يصح ذلك الأمر إلا بالشىء كما يقال إن النفس لا تموت لأنها فاعلة على الدوام ولا يعلم أنها فاعلة على الدوام ما لم تعلم أنها لا تموت وبذلك يثبت دوام فعلها (العاشر): أن يحترز عن الوهميات والمشهورات والمشبهات فلا تصدق إلا بالأوليات والحسيات وما معها فاذا راعيت هذه الشروط كان قياسك لا محالة صادق النتيجة وحصل به يقين لا شك فيه وإن أردت أن تشكك نفسك فيه لم تقدر عليه.
(الفن الخامس من الكتاب فى لواحق القياس والبرهان) "وما ينعطف فائدته عليها وهو فصول أربعه" (الفصل الأول فى المطالب العلمية وأقسامها): ونعنى بها الاسئلة التى تقع فى العلوم وهى أربعة.
(مطلب هل): وهو سؤال عن وجود الشىء.
ناپیژندل شوی مخ