وبالجملة فلا يستبعد أن يكون الشىء معلوما بوسط ولكن الذهن لا يتنبه لكونه معلوما بوسط وقياس فليس كل ما يثبت على وجه يتنبه الانسان لوجهه، وثبوت الشىء للذهن شىء والشعور بوجه ثبوته والتعبير عنه شىء آخر.
(والوهميات): هى مقدمات باطلة ولكنها قويت فى النفس قوة تمنع من إمكان الشك فيه وذلك من أثر حكم الوهم فى أمور خارجة عن المحسوسات لأن الوهم لا يقبل شيئا إلا على وفق المحسوسات التى ألفها مثل حكم الوهم باستحالة موجود لا إشارة فيه إلى جهة ولا هو داخل العالم ولا خارجه وكحكمه بأن الكل ينتهى إلى خلاء أو ملاء أعنى وراء العالم؛ وكحكمه بأن الجسم لا يزيد عن نفسه ولا يكثر إلا بأن يضاف إليه زيادة من خارج وإنما سبب حكم الوهم بهذا إن هذه الأمور ليست موافقة للحس فلا يدخل فى الوهم وإنما الحكم بطلانه من حيث أنه لو كان كل ما لا يدخل فى الوهم باطلا لكان نفس الوهم باطلا فان الوهم لا يدخل فى الوهم بل العلم والقدرة، وكل صفة لا يدركها الحواس الخسة لا يدركها الوهم وإنما يعرف غلطه فى أمثال هذه المسائل المعينة من حيث أنها لازمة عن أقيسة ترتبت من أوليات يساعد الوهم على قبولها ويسلم أن القياس إذا رتب من الأوليات كانت النتيجة صادقة، ثم إذا حصلت النتيجة كاع عن قبول النتيجة فعلم بذلك أن امتناعه عن القبول لمكان طباعه فانه ينبو عن قبول ما ليس على نحو المحسوسات.
ص (وأما المشهورات): فهى القضايا التى لا يعول فيها إلا على مجرد الشهرة ونظر العوام والظاهر بين أهل العلم أنها أوليات لازمة فى غريزة العقل مثل قولك الكذب قبيح، والنبى ينبغى أن لا يعذب ولا يدخل الحمام بغير مئزر بحيث تنكشف العورة، والعدل واجب والظلم قبيح وأمثاله وهذه أمور تكرر على السمع من الصبا ويتفق عليه أهل البلاد لمصالح معاشهم فتسارع النفوس إلى قبولها لكثرة الألف وربما يؤيدها مقتضيات الأخلاق من الرقة والحنين والحياء ولو قدر الانسان نفسه وقد خلق عاقلا ولم يؤدب باستصلاح ولم يتشبث بخلق ولم يأنس باعتياد وأورد على عقله هذه القضايا أمكنه الامتناع عن قبولها لا كقولنا: الاثنان أكثر من الواحد، وقد يكون بعض هذه المقدمات صادقة ولكن بشرط دقيق أو برهان فيظن أنها صادقة مطلقا كما يظن أن قول القائل إن الله قادر على كل أمر صادق وهو مشهور وإنكاره مستقبح وليس بصادق فانه ليس قادرا على أن يخلق مثل نفسه بل ينبغى أن يقال هو قادر على كل أمر ممكن فى نفسه ويقال هو عالم بكل شىء وليس عالما بوجود مثل له وهذه المشهورات قد تتفاوت فى القوة والضعف بحسب اختلاف الشهرة واختلاف العادات والأخلاق، وقد تختلف فى بعض البلاد وفى حق أرباب الصنائع فليس المشهور عند الأطباء مشهورا عند النجارين ولا بالعكس، والمشهور ليس نقيضا للباطل بل نقيض المشهور الشنيع؛ ونقيض الباطل الحق، ورب حق شنيع، ورب باطل محبوب مشهور ولا شك فى أن الأوليات وبعض المحسوسات والمتواترات والمجربات مشهورة ولكنا قصدنا بهذا ما ليس فيه إلا الشهرة فقط.
(وأما المقبولات): فهى المقبول من أفاضل الناس وأكابر العلماء ومشايخ السلف. إذا تكرر نقل ذلك منهم على ذلك الوجه وفى كتبهم وانضاف إلى ذلك حسن الظن بهم فان ذلك يثبت فى النفس ثبوتا ما.
(وأما المسلمات): فهى التى سلمها الخصم أو كان مشهورا بين الخصمين فقط فانه يستعمل معه دون غيره فلا يفارق المشهور إلا فى العموم والخصوص. فان المشهور تسلمه العامة، وهذا يسلمه الخصم فقط.
(وأما المشبهات): فهى التى يحتال فى تشبيهها بالأوليات والتجربيات والمشهورات، ولا تكون بالحقيقة كذلك ولكنها تقاربها فى الظاهر.
(وأما المشهورات فى الظاهر): فهى كل قول يقبله كل من يسمعه كافة ببادىء الرأى وأول النظر، وإذا تأمله وتعقبه وجده غير مقبول وأحس بكونه فاسدا كقول القائل انصر أخاك ظالما أو مظلوما فان النفس تسبق إلى قبوله ثم تنساق الى أن تأمل فتعلم أن نصرته ظالما ليس بواجب.
(وأما المظنونات): فما يفيد غلبة الظن مع الشعور بامكان نقيضه كما أن من خرج ليلا يقال إنه خائن. اذ لو لم يكن خائنا لم يخرج ليلا وكما يقال إن فلانا يناجى العدو فهو عدو مثله أيضا مع أنه يحتمل ان يكون مناجاته اياه خداعا له أو حيلة عليه لأجل الصديق.
(وأما المخيلات): فهى مقدمات يعلم أنها كاذبة ولكنها تؤثر فى النفس بالترغيب والتنفير كما يشبه الحلاوة بالعذرة فتنفر النفس عنه مع العلم بأنه كذب. فهذه هى المقدمات.
فنذكر الآن مظان استعمالها* (القول فى مجارى هذه المقدمات) أما الخمسة الأولى: فانها تصلح للأقيسة البرهانية وهى الأولية والحسية والتجربية والتواترية والتى قياساتها معها فى الطبع.
ناپیژندل شوی مخ