يقتضي كون المراد به من العبادات الواقعة بعد المعرفة، وفي قوله (عليه السلام): «ما أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة»، دلالة على كون المعرفة أفضل من الصلاة، فيكون التقرب بها أتم، وذلك يخالف ما تقرر في القاعدة.
وجوابه: أن في قوله (عليه السلام): «ما أعلم أفضل» إلى آخره عدول عما اقتضاه السؤال، وتحقيق للحال بوجه آخر، وهو أن المعرفة بالله تعالى أفضل من الصلاة، بمعنى أن الله تعالى جعل جزاءها أفضل (1) الجزاء، وهو الخلود في الجنة. ولا يلزم من ذلك كونها متقربا بها منوية قبل وقوعها، ففي كلامه (عليه السلام) تنقيح للسؤال وتقرير له بوجه آخر على غير جهة التقرب.
والحاصل أن المعرفة موجبة للقرب لا للتقرب، وما بعدها من العبادات موجبة للتقرب؛ لأن (تفعل) في هذا المقام غير (فعل) وإن أمكن ردهما إلى معنى واحد في بعض الموارد.
واعلم أن الحكمة في أفضلية الصلاة على باقي العبادات- مع النص- أن الأعمال البدنية أفضل من المالية وأشد مشقة، ومن ثم قبلت المالية النيابة في حال الحياة اختيارا.
ثم الأفعال البدنية منها الحج وفيه- مع التكليف به بالبدن- شائبة المالية؛ لاشتراطه بالاستطاعة، بخلاف الصلاة. ووجوب ستر العورة فيها ليس على حد شرط الحج؛ لسقوطه عند العجز عنه ووجوب الصلاة عاريا، بخلاف استطاعة الحج. ومثله الجهاد، ومن ثم قبل النيابة حال الحياة مع الضرورة.
والصوم وإن كان عبادة بدنية لكنه ليس فعلا محضا؛ لأنه عبارة عن الإمساك عن المفطرات على وجه مخصوص، وهو من قبيل التروك، ونسبته إليه تعالى في الحديث القدسي وأنه يختص بالجزاء به (2)، وتسميته عملا، ليس صريحا في أفضليته على الصلاة، بل على اشتماله على مزية لا تحصل في غيره، مع أن الصلاة جمعت بين خصوصية الصوم والاعتكاف والحج وغيرها من العبادات، مع اختصاصها بفضيلة
مخ ۳۲