84

مقالات موقع الدرر

مقالات موقع الدرر السنية

ژانرونه

ليس هذا فحسب ... بل إن من توابع تلك النظرية الجديدة أن من الواجب على المصلحين الصادقين الناصحين أن يقوموا بوظيفة معاكسة لوظيفتهم الحالية. فما دامت سيادة الأمة مغيبة، وما دام هناك إصرار على تغييبها، فإن على المصلحين أن يطالبوا بهدم وإلغاء القسم المتبقي لدينا من مرجعية شريعة الإسلام، بدل أن يسعوا في استكماله وتسديده! لأن هذا القسم في الواقع يمثل انتهاكا لسيادة الأمة، وإكراها على الدين!

أصحاب النظرية الجديدة يقولون: حكم الشريعة لا يجوز أن يأتي إلا عبر (سيادة الأمة ) من خلال نظام التصويت الحر. ولا يجوز الإتيان بالشريعة عبر الفرد المتغلب، أو الفئة المتغلبة. فما لم تتحقق سيادة الأمة، وما لم يفسح لها المجال لتعبر عن نفسها وتختار مرجعيتها، فليس لأحد أن يستبد فيفرض على الأمة الحكم بشريعة الإسلام. لأن القرآن ينص على أنه (لا إكراه في الدين)، ولأن فرض الشريعة دون تصويت سوف يؤدي إلى تحويل السعوديين إلى منافقين!

بل إن النظرية الجديدة تقتضي -وإن لم ينتبه أصحابها لذلك- أن السعوديين تحولوا منذ زمن بعيد إلى أبناء سلول؛ إذ من المعلوم أنه لم يتح لهم التصويت على مرجعية الشريعة، بل اتخذ هذا القرار وأعلن دون الرجوع إلى أصواتهم، فوجدوا أنفسهم يلتزمون أحكاما لم يختاروها. فهم -إذن- منذ عقود منغمسون في النفاق إلى آذانهم!

إذا ذهبنا خارج السعودية، وأردنا تصدير تلك النظرية المبدعة إلى الدعاة والمصلحين في الخارج، فجئنا -مثلا- إلى إمارة (دبي). فيفترض أن نشرح للناس هناك أنه مع الإصرار على تغييب سيادة الأمة في بلدهم، فإن من الواجب عليهم ألا يتورطوا في المطالبة بسن أي قانون يحد من مظاهر انتهاك شرع الله هناك. لا بد أن يفهموا أنه لا يحق لهم مطالبة حاكمهم المتغلب بحظر الخمور -مثلا- أو منع التعري على الشواطئ. لأن الله قال: {لا إكراه في الدين .. } [البقرة: 256]. ولأن الفرد المتغلب ليس له فرض الشريعة دون تصويت واستفتاء، ولأن منع الخمور سيحول السكارى إلى منافقين، والعرايا إلى منافقات. وهذا يتنافى مع مقاصد الشريعة!

خلاصة النظرية أننا دائما: ينبغي أن نطالب فقط بشيء واحد: (سيادة الأمة)، وما لم يجب مطلبنا، فإن واجبنا يقضي أن نجتهد جميعا في نبذ الشريعة وإقصائها ما أمكن، لئلا نخالف أمر الله الذي قال: {لا إكراه في الدين} [البقرة: 256] ونحن -في فعلنا هذا- مأجورون عند الله، لأننا راعينا الأولويات الشرعية، فحرصنا على أن تكون (سيادة الأمة قبل تطبيق الشريعة)!

تلك حقيقة ما يقرره ويدعو إليه -دون وعي- أولئك المتصدون لتجديد النظرية السياسية الإسلامية بزعمهم. فهذا معنى قولهم إن الشريعة لا يجوز أن تفرض إلا عبر التصويت، وهذا معنى قولهم: (سيادة الأمة) قبل (تطبيق الشريعة). فتشريعات الإسلام-حسب تنظيراتهم- يجب أن يلتزمها الفرد في نفسه فقط، أما على مستوى الدولة، فلا شريعة إلا بتصويت، ومع غياب التصويت، لا بد من تعطيل التشريعات الإسلامية كلها، إلى أن تستعيد الأمة سيادتها عبر صناديق الاقتراع!

بين حكم المتغلب، وسيادة الأمة:

مخ ۸۴