وذلك أن لا الملوك للذين فى طاعتهم ولا المعلمون للمتعلمين ولا الرعاة لما يرعونه ولا واحد من أصناف المعتنين لشىء من الأشياء بالجملة انما يصرف عناويته الى المعتنى به من حيث هو متحد به على الحقيقة وأن يقوم بمعونته على هذا النحو. فانه يجب ضرورة أن يكون المعتنى مفارقا منحازا عن المعتنى به، وذلك أن المعتنى غير محتاج الى آخر، وأما المعتنى به، فيحتاج لا محالة الى معونة المعتنى . فانه انما يقال فى الآلهة أنهم معتنون بالأشياء وبما صدر عنهم على العموم، وهذا لا يدخله فى باب ما ينتفعون به.
والقول يمثل هذه العناية بالأشياء التى هاهنا هو أشنع كثيرا بحسب من يقول ان الخير انما هو الحسن وحده فقد، فعندما تسمح الآلهة للأشياء التى ها هنا بمثل أى خبر من الخيرات، يصرفون اليها مثل هذه العناية، وذلك أن الخير هو تحت امر استطاعتنا من غير أن نكون محتاجين فى اقتنائه الى الآلهة فى وجهة من الوجوه.
والقول بأن الله يرصدنا من قبل الأشياء الغير متغيرة وأن فهمه تابع لما يحدث عنا قول من هو أجهل الناس بذاته وبما يقوله.
ولا القول أيضا بأن مثل هذه العناية تكون عن سكينات هى خادمة ما لله هو قول واجب. وذلك أن القول بأنه قد يوجد حيوانات ما مركبة من نفس وبدن وهى مستحيلة الا أنها غير فاسدة لا يسهل تسليمه، من قبل أنه قد يظن أن الأمر المناسب للغير فاسد الا يقبل المتغير والقابل للتأثير والفساد.
وان سلم انسان ذلك، كان القول بأن وجود مثل هذه الحيوانات مع ما هو فيها بالفضيلة فى طبعها وبالقرب من الله، عز وجل انما هو من أجلنا هو أشنع. ومع هذا أيضا العناية بالأشياء التى هاهنا التى مجراها هذا المجرى هى غير موافقة للأشياء الكائنة، كما تبين ذلك من أمرها.
مخ ۲۹