فما طعم أمر من السؤال
وقد اتفق ذات يوم أنه نفذ ما بيده، واحتاج إلى ما يسد الرمق في غده، فخرج من داره في الصباح، راجيا الحصول على الرزق المتاح، فصادف في طريقه شابا ثيابه نظيفة، معتدل القامة ذا روح خفيفة، فاقتفى منه الأثر، وتوهم أنه بلغ الوطر، ولا زال يسعى خلفه ويرعاه، ولا يعلم أنه خاب مسعاه، حتى انتهى إلى باب جسيم، على سور مرتفع عظيم، فعزم على أنه يختلس منه ما يكفيه مدة من الدهر، لا تنقص أيامها في الحساب عن شهر، فلما جن عليه الليل وسجى، واشتد ظلام الدجى، أخذ سلم التسليق، وركب متن الطريق، وقصد هذا الباب، فوصل إليه بسرعة دونها سرعة السحاب، وطرح سلمه من الخارج على حائط الدار، وصعد على أعلاه بدون انتظار، ثم أدار سلمه المذكور إلى الداخل، وثبته وانحدر عليه إلى أسفل كالقضاء النازل، ولما استقرت على الأرض قدمه، ندم حيث لا ينفعه ندمه؛ لأنه مد بصره يمينه وشماله وأمامه، فرأى فضاء كفضاء تهامة، ولم يجد به سوى قاعة صغيرة، بل عشة من الأخشاب حقيرة، فتوسطها على سبيل الاستيعاب، فألقى بها على حبل أقمشة الشاب، وشاهده مضاجعا على التراب لعجوز، لا يسوغ النظر إليها ولا يجوز.
وقائل قد قال ما سنها؟
فقلت: ما في فمها سن
فأطرق برأسه هنيهة وذهب، وفؤاده قد شب به حريق اللهب، وفي الحال صعد على المعارج، وانقلب من الداخل إلى الخارج، وتعثر في أذياله، واكتفى من الغنيمة بخيبة آماله، وعلم أن صاحب المال، لا يتسربل في الغالب بسربال شعر.
قد يجمع المال غير آكله
ويأكل المال غير من جمعه
وسارع بالخيبة إلى داره، فتوارى بها قبل تنفس صبح نهاره، ثم خرج منها قبل الزوال، وآلى على أن لا يقتفي متقمشا من الرجال، وبينما هو يمشي في أضيق زقاق، إذ رأى شيخا التفت منه الساق بالساق، وهو خفاشي العينين، محدودب الظهر عريض الكتفين، له لحية طويلة قذرة، وجلابيب رثة محتقرة، وعلى رأسه عمامة بالية كبيرة، وبيده اليمنى عكازة قصيرة، فتبعه على الأثر، ولم يزغ عن رؤية البصر، حتى دخل من فرجة باب منخفض العتبة، في دهليز كأنه لطوله واتساعه رجمة، هنالك خلى سبيله وانصرف، وإلى خارج الأزقة عن المدينة انحرف، وصبر إلى النصف الأخير من الليل، وانحط على منزل هذا الأحدب انحطاط السيل، وعلا على الجدران؛ حيث أعانه المقدور والإمكان، وعطف على قاعة مزخرفة الصناعة، فصادف فيها سريرا من عمل الهنود، على قبة من الحرير نادرة الوجود، فدنا منه وتأمل فيه، فعاين فيه فتاة جميلة مضاجعة السفيه، وأبصر عند رأس هذا السرير الفريد، عشر مفاتيح صغيرة من الحديد، فأخذها وانساب في الأروقة، كأنه النار المحرقة، فعثر في جهة اليسار، على رواق فيه عشر صناديق كبار، ففتحها واحدا بعد واحد بالمفاتيح، فأضاءت له النقود من داخلها كالمصابيح، وبذلك انجلت عنه غياهب الغمة، وسجد شكرا لله على هذه النعمة، وأنشد:
والله لولا الله سبحانه
لقلت للفضة سبحانها
ناپیژندل شوی مخ