والقول إن للمكان ثلاثة أبعاد هو من مصادر الهندسة في المكان كما أن الرياضيين يقولون إن الأعداد الصحيحة يمكن تكوينها إلى ما لا نهاية، وكذلك الجذور الصماء، التي تحسب بالصيغة العشرية، تنطوي على عدد لا متناه من الحدود. فالرياضيات إذن تفترض ما يمكن أن يسمى شعورا باللامتناهي. وهذا الشعور لا يأتي من العقل. وقد اهتدى باسكال إلى حل مسائل في حساب اللامتناهيات دون إيضاح الأسس العقلية لهذا الحساب: «فنحن نعلم بوجود اللامتناهي ونجهل طبيعته.»
12
فأساس المعرفة العلمية إذن وظيفة يجب أن تنسب إلى القلب. وهذا يصدق، بالأحرى، على المعرفة الميتافيزيقية. لهذا كان باسكال يعتقد أنه ليس ثمة ميتافيزيقا سوى الدين، وأن الإيمان وحده هو الذي يوصل إليها، بل إننا لا نستطيع أن نبني أبسط أحكام الواقع على العقل. ومن هنا لم يكن الشكاك البيرونيون (نسبة إلى بيرون
) على خطأ حين شكوا في وجود العالم الخارجي. ومع ذلك، فعلى الرغم مما يقولون: «فإننا نعلم أننا لا نحلم.» وهذا اليقين مصدره «القلب والغريزة». فإذا «كنا نعجز عن البرهان، بحيث لا يخلصنا من هذا العجز أي مذهب توكيدي (والمقصود بهذه الكلمة، المذهب العقلي عند ديكارت مثلا) فإن لدينا فكرة عن الحقيقة، لا يزعزعها لدينا أي مذهب شكي.»
13
ومن هنا كانت المعرفة العقلية عاجزة بالأحرى عن أن تكشف لنا «مجال الفضل الإلهي» «فالمسيح والقديس بولس ينتميان إلى مجال الفضل الإلهي، لا إلى مجال العقل، إذ إنهما أرادا بعث الحرارة، لا تلقين التعاليم. كذلك كان القديس أوغسطين؛ وأساس هذا هو الرجوع في كل مسألة ردها إلى الغاية النهائية من أجل إيضاحها.»
14
وكما أن القلب «يثيرنا» نحو الإحساس، فهو يؤدي بنا أيضا إلى الحب الإلهي: «إن القلب هو الذي يستشعر الله، لا العقل. وحقيقة الإيمان هي تكشف الله للقلب لا للعقل.»
والأمر الجدير بالملاحظة أن النزعة العقلية قد تخطت العقبة التي تصورها باسكال عقبة كأداء، إذ إنها صبغت اللامتناهي بصبغة عقلية، وبذلك أدمجت اللامتناهي في العقل. فقد أدت جهود ليبنتز ونيوتن (حوالي 1670-1675م) إلى إدماج حساب التفاضل والتكامل في المذهب الديكارتي، وإلى القضاء على الطابع اللامعقول الذي كان يضفى على اللامتناهي في الصغر، حين كان يضرب في عدد لا متناه، فيكون الناتج كمية متناهية. وهذه العملية الممتنعة يحل محلها حساب الحدود المتغيرة في المعادلات، والدالة الأولية. والحد المتغير هو القيمة الحدية لنسبة ما، وهي القيمة التي تظل صحيحة في كل صورها المتعاقبة.
مذهب برجسون، فلسفة للحدس
ناپیژندل شوی مخ