قال القاضي: «ولما منع الرشيد من الجدال في الدين، وحبس أهل علم الكلام، كتب إليه ملك السند: انك رئيس قوم لا ينصفون، يقلدون الرجال، ويغلبون بالسيف، فإن كنت على ثقة من دينك، فوجه الى من أناظاره، فإن كان الحق معك اتبعناك، وان كان معي تبعتني. فوجه إليه قاضيا، وكان عند الملك رجل من السمنية، وهو الذي حمله على هذه المكاتبة، فلما وصل القاضي إليه، أكرمه، ورفع مجلسه، فسأله السمني: فقال: «أخبرني عن معبودك هل هو القادر؟» قال: «نعم» قال: «أفهو قادر على أن يخلق مثله؟» فقال القاضي: «هذه المسألة من علم الكلام، وهو بدعة، أصحابنا ينكرونه». فقال السمني: «من أصحابك؟ فقال: «فلان وفلان» ...
وعد جماعة من الفقهاء. فقال السمنى للملك: «قد كنت أعلمتك دينهم، وأخبرتك بجهلهم وتقليدهم، وغلبتهم بالسيف» .. قال: «فأمر ذلك الملك القاضي بالانصراف، وكتب معه الى الرشيد: إني كنت بدأتك بالكتاب، وأنا على غير يقين، مما حكي لي عنكم، فالآن قد تيقنت ذلك، بحضور القاضي» وحكى له في الكتاب ما جرى، فلما ورد الكتاب على الرشيد، قامت قيامته، وضاق صدره وقال: «أليس لهذا الدين من يناضل عنه؟» قالوا: «بلى يا أمير المؤمنين، هم الذين نهيتهم عن الجدال في الدين، وجماعة منهم، في الحبس»، فقال: «أحضروهم»، فلما حضروا قال: «ما تقولون في هذه المسألة؟» فقال صبى من بينهم: «هذا السؤال محال، لأن المخلوق لا يكون إلا محدثا والمحدث لا يكون مثل القديم، فقد استحال أن يقال: يقدر على أن يخلق مثله، أو لا يقدر، كما استحال أن يقال، يقدر أن يكون عاجزا أو جاهلا». فقال الرشيد: «وجهو بهذا الصبي الى السند، حتى يناظرهم»، فقالوا: «إنه لا يؤمن أن يسألوه عن غير هذا، فيجب أن توجه من يفي بالمناظرة في كل العلم». قال الرشيد: «فمن لهم؟» فوقع اختيارهم على معمر، فلما قرب من السند، بلغ خبره ملك السند، فخاف السمني أن يفتضح على يديه، وقد كان عرفه من قبل، فدس من سمه في الطريق فقتله.
قلت: وجواب الصبى الذي قدمنا حكايته، غير سديد من أحد طرفيه، لأنه قال: (يحال السؤال)، والصحيح أنه (لا يحال) هنا بل يجاب، بأنه مستحيل لما ذكره، والمستحيل غير مقدور، ولا يستلزم تعذره للعجز، كما سيأتي:
مخ ۵۱