قال أبو عبيدة: «ما ينبغى أن يكون فى الدنيا مثله، فإنى امتحنته، فقلت له: «ما عيب الزجاج؟» فقال- على البديهة-: «يسرع إليه الكسر ولا يقبل الجبر». وروي أنه كان لا يكتب ولا يقرأ، وقد حفظ القرآن، والتوراة، والإنجيل، والزبور، وتفسيرها، مع كثرة حفظه للاشعار والأخبار، واختلاف الناس فى الفتيا. وناظر أبا الهذيل فى الجزء، فالزمه أبو الهذيل. مسألة الذرة والنعل، هو أول من استنبطه، فتحير النظام ، فلما جن عليه الليل، نظر إليه أبو الهذيل، وإذا النظام قائم، ورجله فى الماء، يتفكر. فقال: «يا ابراهيم هكذا حال من ناطح الكباش»، فقال «يا أبا الهذيل! جئتك بالقاطع، أنه يظفر بعضا، ويقطع بعضا»، فقال أبو الهذيل: «ما يقطع كيف يقطع؟» وذكر جعفر بن يحيى البرمكي أرسطاطاليس، فقال النظام: «قد نقضت عليه كتابه». فقال جعفر: «كيف؟ وأنت لا تحسن أن تقرأه» فقال: «أيما أحب أليك، أن أقرأه من أوله الى آخره، أم من آخره الى أوله؟» ثم اندفع يذكر شيئا فشيئا، وينقض عليه، فتعجب منه جعفر ويكفيك أن الجاحظ كان من تلامذته. قال الجاحظ: «الاوائل يقولون في كل ألف سنة رجل لا نظير له، فان كان ذلك صحيحا، فهو أبو إسحاق النظام». قيل، وله أشعار تأخذ بالقلب والسمع ملاحة. وروى أن الخليل قال له- وهو شاب ممتحنا له، وفي يد الخليل قدح زجاج- «يا بنى صف لى هذا»، فقال: «أمدح أم أذم»، قال: «بل امدح». فقال: «نعيم يريك القذى، لا يقبل الأذى ويستر ما روى». قال: «فذمها» قال «سريع كسرها، بطيء جبرها»، قال: «فصف لى هذه النخلة». فقال مادحا: «حلو مجتناها، باسق منتهاها، ناضر أعلاها». وقال فى ذمها: «صعبة المرتقى، بعيدة المجتنى محفوفة بالأذى». فقال الخليل: «يا بنى! نحن الى التعلم منك أحوج، الى غير ذلك من المحاسن». روى أنه كان يقول، وهو يجود بنفسه:
«اللهم! إن كنت تعلم أني أقصر في نصرة توحيدك، اللهم! ولم أعتقد مذهبا الا سنده التوحيد، اللهم! إن كنت تعلم ذلك مني، فأغفر لي ذنوبي، وسهل علي سكرة الموت». قالوا: فمات فى ساعته. قال الجاحظ: «ما رأيت أحدا أعلم بالكلام والفقه من النظام.
ومن هذه الطبقة: أبو سهل بشر بن المعتمر الهلالي. قال أبو القسم: وهو من أهل بغداد، وقيل بل من أهل الكوفة، ولعله كان كوفيا ثم انتقل الى بغداد، وهو رئيس معتزلة بغداد، وله قصيدة «أربعون ألف بيت» رد فيها على جميع المخالفين، وقيل للرشيد أنه رافضي، فحبسه، فقال في الحبس شعرا:
لسنا من الرافضة الغلاة ... ولا من المرجئة الحفاة
لا مفرطين بل نرى الصديقا ... مقدما والمرتضى الفاروقا
نبرأ من عمرو، ومن معاوية
إلى آخر ما ذكره، فلما بلغت الرشيد أفرج عنه.
قال القاضي: وكان زاهدا عابدا الى الله تعالى. وقال بعض المجبرة لأصحاب بشر: «أنتم تحمدون الله على إيمانكم». فقالوا: «نعم»، فقال المجبرة:
مخ ۴۹