خلقا باليا. ورسما حافيا. فيا ميت بين الأموات، لا ترى أثرا فتتبع، ولا تسمع صوتا فتنتفع، طفا أمر السنة وظهرت البدعة، أخيف العالم فلا يتكلم، ولا يعطى الجاهل فيسأل، وربما نجت الأمة بالامام، وربما هلكت بالامام، فانظر أي الامامين أنت. فإنه تعالى يقول: «وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا» «1» فهذا إمام هدى ومن اتبعه شريكان، وأما الآخر، فقال تعالى «وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون» «2». ولن تجد داعيا يقول تعالى الى النار، إذ لا يتبعه أحد، ولكن الدعاة الى النار هم الدعاة الى معاصي الله. فهل وجدت يا عمر حكيما يعيب ما يصنع، أو يصنع ما يعيب، أو يعذب على ما قضى، أو يقضى ما يعذب عليه؟ أم هل وجدت رشيدا يدعوا الى الهدى ثم يضل عنه؟ أم هل وجدت رحيما يكلف العباد فوق الطاقة، أو يعذبهم على الطاعة؟ أم هل وجدت عدلا يحمل الناس على الظلم والتظالم؟ وهل وجدت صادقا يحمل الناس على الكذب والتكاذب بينهم؟ كفى ببيان هذا بيانا وبالعمى عنه عمى ... فى كلام كثير». فدعا عمر «غيلان» وقال: «أعني على ما أنا فيه». فقال غيلان: «ولئن بيع الخزائن ورد المظالم». فولاه، فكان بيعها وينادي بها ويقول: «تعالوا الى متاع الخونة، تعالوا الى متاع الظلمة، تعالوا الى متاع من خلف الرسول فى أمته بغير سنته وسيرته». وكان فيما نادى عليه جوارب خز، فبلغ ثمنها ثلاثين ألف درهم، وقد أنكل بعضها، فقال غيلان: «من يعذرني ممن يزعم أن هؤلاء كانوا أئمة هدى، وهذا ينكل والناس يموتون من الجوع»، فمر به هشام بن عبد الملك قال: «أرى هذا يعبني ويعيب آبائي والله إن ظفرت به لأقطعن يديه ورجليه. فلما ولي هشام، خرج غيلان وصاحبه صالح الى أرمينية، فأرسل هشام في طلبهما، فجيء بهما، فحبسهما أياما، ثم أخرجهما وقطع أيديهما وأرجلهما، وقال لغيلان: «كيف ترى ما صنع بك ربك؟ فالتفت غيلان فقال: «لعن الله من فعل بي هذا» «1»، واستسقى صاحبه، وقال بعض من حضره: «لا نسقيكم حتى تشربوا من الزقوم»، فقال غيلان: «ولعمري! لان كانوا صدقوا، إن الذي نحن فيه ليسير في جنب ما نصير إليه بعد ساعة من روح الله، فاصبر يا صالح. ثم مات صالح وصلى عليه غيلان، ثم أقبل على الناس وقال: «قاتلهم الله: كم من حق أماتوه، وكم من باطل قد أحيوه، وكم من ذليل في دين الله أعزوه، وكم من عزيز في دين الله أذلوه». فقيل لهشام: قطعت يدي غيلان» ورجليه، وأطلقت لسانه، إنه قد أبكى الناس ونبههم على ما كانوا عنه غافلين، فأرسل إليه من قطع لسانه، فمات رحمه الله. فذكر أبو الهذيل في إسناد له: أن امرأة في تلك القرية قتل ابنها بنحو من أربعين سنة، وكانت على مسكة من دينها، اتخذت المسجد بيتا لا تنصرف إلا الى الأوطار، أو تقوم لصلاة أو وضوء، فانتبهت في ذلك اليوم مبتسمة فظن أهلها أن الجنون قد تكامل بها. فقالت: «لقد رأيت عجبا! كأن ابني أتاني، وقال: إن الله أحضر أرواح الشهداء لقتل رجل فى مكان كذا، فانظروا هل ترون قتيلا»، فسارع أهلها، فاذا غيلان يشحط فى دمه.
مخ ۳۲