فعلم من هذا الاختلاف أن تحقق الإعادة مبني على تحقق النفس ، وأنها أي شيء هي ، فإن هذه الاختلافات إنما نشأت من الاختلافات فيها كما عرفت ، فإن الطبيعيين لما اعتقدوا أن النفس جسم ، وأحالوا إعادة المعدوم ، أحالوا المعاد مطلقا. وجالينوس لما قال إنها المزاج نفاه بالكلية. والمتكلمون لما قالوا إنها جوهر جسماني ، قالوا إنه إنما يكون بإعادة النفس على حالتها بناء على أنها إما الهيكل المحسوس المشاهد ، أو أنها أجزاء أصلية ، كما في مذاهبهم. وأما الغزالي وأتباعه فلما قالوا بتجرد النفس قالوا إنها تبقى بعد فراق البدن ، فعودها ردها إلى البدن مرة اخرى. إما الأول بعينه ، أو إلى آخر يماثله. وباقي المسلمين ، لما كان مذهبهم في النفس على أنحاء متعددة ، فالذي قال منهم إنها جوهر جسماني ، أو إنها جوهر روحاني ، قائل بأنه لا بد من إعادة الجسم الأول ويرد فيه الروح جمعا بين الشريعة والحكمة ، ويدعون أن هذا منطوق الآيات القرآنية. والإلهيون لما اعتقدوا تجرد النفس وبقاءها بعد فناء البدن ، ذهبوا إلى المعاد الروحاني ، ومرادهم به قطع علاقة النفس مع البدن.
فبالجملة وقع الاتفاق على وقوع المعاد ، وأنه حق وإن اختلفوا في كيفية وقوعه والدليل المطلق على ثبوت المعاد الجسماني إنه ممكن في نفسه ، والصادق أخبر عنه ، فوجب القول به ، أما الأول ، فلأن الإمكان إنما هو بالنظر إلى القابل والفاعل ، وهما حاصلان ، أما بالنظر إلى الفاعل فلما مر من الأصلين السابقين :
أحدهما كونه قادرا على كل مقدور ، والثاني كونه عالما بأعيان أجزاء الأشخاص لتعلق علمه بالجزئيات.
وأما الثاني ، فلاتفاق قول الأنبياء عليهم السلام غير موسى عليه السلام ، فإنه لم يذكر ، وما نزل في التوراة فيه شيء ، وقد وجد في كتب من جاء بعده كحزقيل وشعياء. وأما الإنجيل ، فالذي ذكر فيه أن الأخيار يصيرون كالملائكة ، فيكون لهم الحياة الأبدية والسعادة السرمدية ، ويمكن حمله على الروحانية ، أو الجسمانية أو عليهما ، ودلالته على الأول أظهر ، لتحقق الروحانية للملائكة دون الجسمانية.
وأما القرآن المجيد فقد جاءت ذكره فيه في كثير من المواضع ، مثل قوله تعالى :
مخ ۵۶