217

عين الذي وجد أولا ثم عدم وفرض إعادته ، وكذا هو في تلك الحال مغاير للمثل المبتدأ في الواقع ، وبالجملة أن المعدوم في حال العدم موصوف في الواقع بتلك العينية وتلك المغايرة الواقعيتين ، فقد صار المعدوم في الواقع موجودا في الواقع على النحو الذي أومأنا إليه فيما سلف ، إذ لا يخفى أن المحمول في هاتين القضيتين أمر ثبوتي واقعي كان الفرض إثباته للمعدوم الموضوع ، وثبوت الشيء للشيء في الواقع ، فرع ثبوت المثبت له في ظرف الثبوت وظرف الاتصاف أي في الواقع ، فإما أن يلتزم صيرورة المعدوم الواقعي في حال العدم موجودا واقعيا حينئذ حتى يمكن إثبات العينية الواقعية والمغايرة الواقعية له في الواقع ، فهذا باطل بالضرورة. وإما أن يلتزم أن ثبوت المعدوم بمهيته الذهنية في نفس الأمر في علم البارئ تعالى شأنه أو في المبادئ العالية كاف في ذلك ، وهذا أيضا باطل ، لأن ثبوت المعدوم بمهيته ، الذهنية في نفس الأمر ، ليس ثبوتيا خارجيا أو واقعيا ، يترتب عليه الآثار المطلوبة منه ، حتى يمكن أن يثبت له الأمر الواقعي في الواقع ، وإلا لكان قولا بثبوت المعدومات في الواقع وهو باطل ، كما تقرر في محله.

وكذلك وجوده في علم البارئ تعالى شأنه أو المبادئ العالية ليس إلا ثبوتا ذهنيا لا واقعيا ، إذ لا نعني بالوجود الذهني إلا ما لا يكون منشأ لترتب الآثار الخارجية أو الواقعية المطلوبة منه عليه ، وهو كذلك ، كثيرا من المعدومات الممكنة لها وجود وثبوت في علم البارئ أو المبادئ العالية ، ومع هذا لا يترتب عليها أثر خارجي أو واقعي مطلوب منها أصلا.

والحاصل أن ذلك وجود ذهني للمعدوم ، سواء قيل بوجود الأشياء بأعيانها في الذهن أو بأشباحها فيه ، حيث لا يترتب عليها أثر خارجي أو واقعي مطلوب منه ، فإن الوجود الذهني ما يكون كذلك سواء كان بمحض اختراع ذهن ذاهن أو لا وبالجملة هو ما لا يترتب عليه الآثار المطلوبة منه ، وأما الوجود الواقعي أو الخارجي ، فهو ما يترتب عليه أثر واقعي ، سواء كان ذلك في الخارج أو في الذهن ، لكن لا من حيث هو موجود ذهني كما عرفت بيانه فيما تقدم.

مخ ۲۶۶