[1] قد تبين في المقالة الأولى والثانية كيف يدرك البصر المبصرات على ما هي عليه إذا كان إدراكه لها على استقامة، وكيف يتحقق صورة المبصر، وكيف يدرك كل واحد من المعاني الجزئية على ما هي عليه وكيف يتحققه. وليس كل مبصر يدركه البصر على ما هو عليه، ولا كل معنى يدركه البصر ويتخيل الناظر أنه قد أدرك حقيقته يكون مصيبا في إدراكه وفي تخيله. بل قد يغلط البصر في كثير مما يدركه من المبصرات ويدركها على خلاف ما هي عليه، وربما أحس بغلطه في حال غلطه وربما لم يحس بغلطه وظن أنه مصيب ويكون غالطا. وذلك أن البصر إذا أدرك مبصرا من المبصرات، وكان على بعد متفاوت، فإنه يدرك مقداره أصغر من مقداره الحقيقي، وإذا كان المبصر قريبا جدا من البصر أدرك مقداره أعظم من مقداره الحقيقي، وإذا أدرك البصر شكلا مربعا أو كثير الأضلاع من البعد المتفاوت أدركه مستديرا إذا كان متساوي الأقطار ومستطيلا إذا كان مختلف الأقطار، وإذا أدرك الكرة من البعد المتفاوت أدركها مسطحة. وأمثال هذه المعاني كثيرة وكثيرة الأنواع. وجميع ما يدركه البصر على هذه الصفة فهو غالط فيه.
[2] وأيضا فإن البصر إذا نظر إلى كوكب من الكواكب فإنه يدركه في الحال ساكنا والكوكب مع ذلك متحرك. وإذا رجع الناظر إلى علمه علم أن الكوكب متحرك في حال نظره إليه، فإذا ميز الناظر هذا المعنى أحس في الحال أنه غالط فيما يدركه من سكون الكوكب. وإذا نظر الناظر إلى شخص من الأشخاص التي على وجه الأرض من بعد متفاوت، وكان ذلك الشخص متحركا حركة بطيئة مسرفة البطء ولم يطل النظر إليه في حال نظره إليه، يدركه ساكنا. وإذا لم يتقدم علم الناظر بحركة ذلك الشخص، ولم يلبث زمانا طويلا في مقابلته، فليس يعلم في الحال أنه غالط فيما يدركه من سكون ذلك الشخص، فيكون في إدراكه ما هذه صفته غالطا ومع ذلك لا يحس بغلطه. فقد يعرض للبصر الغلط في كثير مما يدركه من المبصرات وربما أحس بغلطه وربما لم يحس به.
مخ ۳۴۲