[221] والاختلاف يفعل الحسن. وذلك أن أثكال أعضاء الحيوان مختلفة الأجزاء، وليس تحسن إلا على ما هي عليه من الاختلاف. وذلك أن الأنف لو أنه متساوي الغلظ وله مساوي الغلظ لآخره لكان في غاية القبح، وليس حسنه إلا باختلاف طرفيه وانخراطه. وكذلك الحاجبان ليس حسنهما إلا إذا كان طرفاهما أدق من بقيتهما. وكذلك جميع أعضاء الحيوان إذا تؤملت يوجد حسنها إنما هو من اختلاف أشكال أجزائها. وكذلك النقوش وحروف الكتابة لو تساوت أجزاؤها في الغلظ لما كانت مستحسنة. وذلك أن أطراف الحروف وأواخر التعريقات إنما تحسن إذا كانت مستدقة وأدق من بقية الحروف. ولوتساوت أواخر الحروف وأوساطها وأوائلها ووصولها وتعليقاتها وكانت جميعها في الغلظ على هيئة واحدة، لكان الخط في غاية القبح. فالاختلاف قد يفعل الحسن في كثير من صور المبصرات.
[222] فقد تبين مما ذكرناه أن كل واحد من المعاني الجزئية التي تدرك بحاسة البصر التي بينا تفصيلها قد تفعل الحسن على انفراده. وإذا استقرئت وجد كل واحد من هذه المعاني قد تفعل الحسن في مواضع كثيرة. وإنما ذكرنا ما ذكرناه على طريق المثال، وليستدل بكل واحد من الأمثلة على نظائره، وليتطرق به إلى استقراء أمثاله من أراد البحث عن كيفية تأثيرات هذه المعاني في الصور المستحسنة. إلا أنه ليس تفعل هذه المعاني الحسن في كل المواضع ولا يفعل الواحد من هذه المعاني الحسن في كل صورة يحصل فيها ذلك المعنى، بل في بعض الصور دون بعضها. ومثال ذلك العظم ليس <يفعل> الحسن في كل جسم مقتدر العظم. وكذلك اللون: ليس كل لون يفعل الحسن، ولا اللون الواحد يفعل الحسن في كل جسم يحصل فيه ذلك اللون. وكذلك الشكل: ليس كل شكل يفعل الحسن. وكل واحد من المعاني الجزئية التي ذكرناها تفعل الحسن بانفراده، ولكن في بعض المواضع دون بعضها وعلى بعض الصفات دون بعضها.
[223] وأيضا فإن هذه المعاني قد تفعل الحسن باقتران بعضها ببعض. وذلك أن الخط الحسن هو الذي تكون أشكال حروفه أشكالا متسحسنة وتأليف بعضها ببعض تأليفا مستحسنا، وهو غاية حسن الخط. فإن الخط الذي يجتمع فيه هذان المعنيان أحسن من الخط الذي يكون فيه أحد هذين المعنيين دون الآخر. فغاية حسن الخط إنما يكون من اقتران الشكل والوضع.
مخ ۳۱۲