[163] وإذ قد تبين كيفية إدراك البصر لمقادير أبعاد المبصرات وتميزت أبعاد المبصرات فإنا نميز أعظام المبصرات التي يدركها البصر ونميز إدراك البصر لها. فنقول: إن الأعظام التي يدركها البصر في حال مقابلة البصر للمبصرات هي مقادير سطوح المبصرات ومقادير أجزاء سطوح المبصرات ومقادير نهايات المبصرات ومقادير المسافات التي بين نهايات أجزاء سطوح المبصرات ومقادير المسافات التي بين المبصرات المتفرقة. وهذه هي جميع أنواع المقادير التي يدركها البصر في حال مقابلة المبصر. فأما مقدار جسم المبصر فليس يدركه البصر في حال مقابلته لأن البصر ليس يدرك جميع سطح الجسم في حال مقابلته وإنما يدرك ما يقابله من سطح الجسم أو سطوحه، وإن صغر الجسم. وإن أدرك البصر تجسم الجسم فليس يدرك مقدار جسمه وإنما يدرك هيئة جسمه فقط. فإن تحرك الجسم أوتحرك البصر حول الجسم حتي يدرك البصر جميع سطح الجسم بالحس أو بالاستدلال فإنما يدرك التمييز حينئذ مقدار تجسمه بقياس ثان غير القياس الذي يستعمل في حال الإبصار. وكذلك مقدار كل جزء من أجزاء الجسم إن أدرك التمييز مقدار تجسمه فإنما يدركه بقياس ثان غير القياس الذي هو في حال الإبصار. فالذي يدركه البصر من المقادير في حال مقابلتها إنما هومقادير السطوح والخطوط التي حددناها فقط.
[164] وقد تبين أن إدراك العظم إنما هو من قياس قاعدة مخروط الشعاع الذي يحيط بالعظم بزاوية المخروط الذي عند مركز البصر وبطول المخروط الذي هو بعد العظم المبصر. وقد تبين أن أبعاد المبصرات منها ما هو متيقن ومنها ما هو مظنون غيرمتيقن. فالمبصرات التي أبعادها متيقنة فالبصر يدرك أعظامها من قياس أعظامها بالزوايا التي توترها تلك الأعظام عند مركز البصر وبأبعادها المتيقنة. فإدراك مقادير أعظام ما هذه صفته من المبصرات يكون إدراكا متيقنا. والمبصرات التي أبعادها مظنونة وغيرمتيقنة يدرك البصر مقادير أعظامها من قياس أعظامها بالزوايا التي توترها تلك الأعظام عند مركز البصر وبأبعادها المظنونة غير المتيقنة. فإدراك مقادير أعظام ما هذه صفته من المبصرات يكون إدراكا غير متيقن. فإذا أراد الحاس أن يتحقق مقدار عظم مبصر من المبصرات فإنه يحرك البصر على أقطاره فيتحرك سهم الشعاع على جميع أجزاء المبصر. فإن كان بعد المبصر من الأبعاد المتفاوتة فإنه في حال تأمله يظهر للحس التباس صورته ويتبين الحاس أن مقداره غيرمتيقن. وإن كان بعد المبصر من الأبعاد المعتدلة فإنه في حال تأمله يظهر للحس صحة رؤيته. فإذا تحرك سهم الشعاع على ما هذه صفته من المبصرات فإنه يمسحه مساحة فيدرك أجزاءه جزءا جزءا ويتحقق مقادير أجزائه، فيتحقق بالحركة مقدار الجزء من سطح العضو الحاس الذي تحصل فيه صورة ذلك المبصر ومقدار زاوية المخروط المحيط به التي يوترها ذلك الجزء. وإذا أراد أن يتحقق بعده حرك البصر على الجسم المسامت لبعده فيتحقق بالحركة مقدار الجسسم المسامت لبعده، الذي هو مساو في الحس لأطوال خطوط الشعاع التي هي مقدار بعده. وإذا تحقق الحاس مقدار بعد المبصر ومقدار الزاوية التي يحيط بها المخروط الذي يحيط بالمبصر تحقق مقدار ذلك المبصر.
مخ ۲۹۱