ولما قال ﷺ: "ستفترق أمتي ثلاثا وسبعين فرقة، الناجية ما أنا عليه وأصحابي" ١، ونحن على قطع نعلم أنهم ما كانوا يرون الخوض في الدقائق ومضايق الحقائق، ولا كانوا يدعون إلى التسبب إليها بل يشتدون على من يفتتح الخوض فيها، والذي يحقق ذلك أن أساليب العقول لا يستقل بها إلا الفرد الفذ الذي يثنى عليه بالخناصر ويشير إليه الأصاغر والأكابر، ثم هو على اغترار وأخطار إن لم يعصمه الله، فكيف يسلم من مهاوي الافتكار الغر الغبي؟!!
فإذا تصرم عصر الصحابة ﵃ والتابعين لهم بإحسان على الانكفاف عن التأويل كان قاطعا بأنه الوجه المتبع، إذ لو كان الخوض في ذلك واجبا أو سائغا مسوغا لأوشك أن يكون اهتمامهم بها فوق اهتمامهم بفروع الشريعة، إذ نقلوا إلينا آداب الاستنجاء وما في بابه، وإذ اتفقوا على ما ذكرنا تبين أن الحق الصريح ما كانوا عليه.
وعد سيد القراء وإمامهم أبي بن كعب ﵁ الوقوف على قوله تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ﴾ من العزائم، ثم ابتداء له بقوله: ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ﴾ ٢.