الإدراك ليس إلا الأول ، أما المجموع فلا يصلح لذلك ، لأن كل واحد من أفراده ليس بعلة على ما يأتي ، فيكون المجموع كذلك.
وأما صحة الحاسة ، فإنما لم يكن علة لذلك لأن صحة الحاسة يرجع الى وجود معان في المحل نحو صحة البنية والتأليف ، وما يرجع الى المحل فإنه لا يقتضي حكما راجعا الى الجملة ، فإن المحل والجملة متغايران كتغاير زيد وعمرو ، فكما لا يقتضي الحكم الراجع الى زيد حكما راجعا الى عمرو ، فكذلك المحل والجملة.
واما ارتفاع الموانع وانتفاء الآفات فلكونهما عدميين لا اختصاص لهما بذات دون أخرى ، استحال أن يكونا علة لما يرجع إلى بعض الذوات.
وأيضا انتفاء الآفات عبارة عن صحة الحاسة الذي لا يصلح للعلية.
واما وجود المدرك فإنه لا يصلح لذلك ، وإلا لما أدرك المدرك السواد والبياض دفعة واحدة ، لأن تضاد العلة يقتضي تضاد المعلول فلم يبق إلا الأول ، وهو ثابت في حق الله تعالى فيكون إدراكه زائدا على علمه.
وهذا الكلام سخيف ، أما أولا ، فلأن الحصر ممنوع ، فإن استندتم فيه الى الاستقراء كان ضعفه ظاهرا.
وأما ثانيا ، فلان المجموع لم لا يكون علة؟ قوله : الأفراد ليس (1) بعلة فكذلك المجموع ، قلنا : بالاعتبار الذي عقلتم كون المجموع متصفا بالمجموعية ، اعقلوا (2) كونه متصفا بالعلية.
وأما ثالثا ، فلأن صحة الحاسة جاز أن يكون علة ، قوله : صحة الحاسة حكم يرجع الى المحل فلا يفيد الحكم الراجع الى الجملة ، قلنا : هذا ينتقض عليكم بالحياة الحالة في المحل المقتضية حكم الحيية للجملة.
مخ ۲۸۴