قالت: ما أجدني في حاجة إلى قصتك، وقد عرفت كل شيء والفضل لخالك بأنه أخبرني عما وقع لك، فقد خدمك خدمة تذكر، يجب عليك شكرها مدى الدوام.
قال: أشكره معروفه حين أعرفه.
قالت: أخبرني عنك بأنك قد اتخذت صاحبة.
قال: لا أعلم المعنى الذي يقصده بالمصاحبة، فإن كانت المرافقة البسيطة والمحبة الخالصة المنزهة عن الشوائب والعيب فقد أصاب وله المنة والفضل، وإن كان العكس فالرواية مختلفة والملام باطل وبعيد عن الحق. نعم، إن الفتاة مالكة قلبي ومستولية على عقلي وروحي، وكان في عزيمتي أن أخبرك عنها، وحاولت مرارا كثيرة أن أتكلم، فكنت أفتح فمي فيقف الكلام عند شفتي، فأطبقه مخافة أن أكدرك، وأما الآن وقد علمت ببعض الشيء، فلا مانع من أن أعترف لك بالحقيقة تماما. ثم إن فؤادا جعل يقص على والدته قصته من البداية إلى النهاية؛ أي من وقت معرفة عفيفة إلى انتهاء المشاجرة التي وقعت بينه وبين خليل في القرافة.
وكانت أمه تسمع حديثه منزعجة، وأفكارها تشتغل في استنباط الحيل للتفريق بينه وبين محبوبته، وفي نفسها الأمل بنجاح تدبيرها، فقالت له: أثر علي يا فؤاد حديثك جدا، وأرى قصتك غريبة للغاية، ولا شك أن خالك لم يصب في قوله، وقد توهم على غير صحة أنك ترافق امرأة فاسدة الأخلاق من بنات الهوى، فساءني الأمر كثيرا، أما الآن وقد علمت الحقيقة، وأيقنت أن رفيقتك مهذبة حسنة الأخلاق جيدة التربية، فقد انشرح صدري وزال كدري.
فابتهج قلب فؤاد من كلام والدته، فجعل يشكرها ويثني عليها، ويتأسف كيف لم يخبرها بقصته قبل الآن، وكان كلما ذكر اسم عفيفة يطنب في الوصف والمديح.
فقالت له سيدة: صفها بما شئت، فقل: إنها جديرة بالكمالات الإنسانية، وإنها ملك كريم، ولكنها أحلت نفسها محل الظنون، فكيف تنفي الريبة عنها إن رجمها الناس بالظنون؟! فقد يصعب عليهم التصديق مثلا بأن شابا في سنك يرافق فتاة بلغت الثامنة عشرة من العمر، يصرف معها الأوقات الطويلة، وهو ملتزم جانب الأدب والطهارة، فإن كنت مخلصا لها يقينا، ويهمك حفظ شرفها وصون عرضها من اللوم، فعليك أن تخرجها من محل الريبة.
قال: يعلم الله أنها عندي بمعزة الروح أحافظ على شرفها محافظتي على شرفي، فأرجوك يا أماه أن تعاونيني في الأمر الذي تستحسنينه.
قالت: اجعلني ولية عليها، آخذها في ضمانتي وحمايتي؛ فتنقطع الألسن عن اللوم، وتسقط الحبيبة في أعينهم.
فلما سمع فؤاد هذا القول أشرق وجهه فقال لأمه: جزاك الله خيرا، فهذا ما كنت أريد أن أطلبه منك، قد قلدتيني نعمة أحفظها ما بقيت حيا.
ناپیژندل شوی مخ