وكان قد زاد اصفرار كريمة، واشتد عليها المرض من سماع الثلب، فقالت لزوجها: رحماك، فبالله ترثي لحالي، إني شاعرة بانحطاط كلي في جسمي وزيادة بالغة في أوجاعي، وقد بردت أطرافي، ولم يعد لي قوة على الحركة.
فقال لها خليل: نؤجل هذا الحديث إلى وقت آخر، وإن شئت دعوت إليك الطبيب.
قالت: لا يفيدني حضور الطبيب شيئا، وقد حم الأجل، وأحسست بقرب الموت، فوفر الأجرة إلى ما يفيد.
قال: لا بد من إحضاره، على أني أطلعك قبل توجهي على أمر ذي بال، وهو أني توجهت اليوم إلى دكان الخياطة لأسأل مستفهما على تأخر عفيفة أمس عن الحضور إلى البيت في وقتها كالعادة، فعلمت أنها خرجت من العمل قبل نصف الليل، فلم تعد إلا بعد ساعتين من مضيه.
قالت: كانت تحاول قتل نفسها.
قال خليل: حاولت الخائنة قتل نفسها، وجعل يسرع في مشيه من أول الحجرة إلى آخرها، ومن عينيه يتطاير الشرر.
وكان قد اشتد الألم على كريمة، وكاد ينقطع صوتها وخف سمعها، فقالت لخليل: عندي رجاء قبل أن أفارق هذه الحياة، وهو أنك تعدل عن هوى عفيفة، فأنت السبب في تعاستها وشقائها، حسبها ما حملت من الكدر فلا تلبسها فوقه ثوب العار والفضيحة، وكفاها ما قاست من الأشجان والأحزان.
أما خليل فإنه لم ينصت إلى حديث امرأته، وكان يكرر قوله هاتفا: حاولت الخائنة قتل نفسها، أين هي الآن؟ أين ذهبت؟ ثم إنه خرج مسرعا من البيت تاركا امرأته في حالة النزاع، فاستلقت كريمة على فراشها، وهالها غضب زوجها، فبقيت برهة فاقدة الإحساس كأن قد قبضت روحها، ولما انتبهت قليلا جمعت ما تبقى من القوة لها، واستوت قعودا على فراشها، فشعرت أن ساعتها الأخيرة من الحياة الدنيا قد دنت، وقالت في نفسها: ذهب زوجي، وتركني أتقلب على وسادة الموت شاكية أوجاعي وآلامي، وأشد تلك الآلام خوفي على ابنتي من غرامه وسفاهته، فقد سلب الهوى رشده وكاد يخرجه عن الصواب، اللهم اهده الصراط المستقيم، ولم تكن الغيرة هي التي تمزق أحشائي، بل مخافتي على عرض ابنتي أن يتخدش، فيا أيها المولى العلي العظيم، إني أقيمك على ابنتي وليا وحفيظا، فصنها بكنف وقايتك من مكائده وخبائثه وفجوره، اللهم احفظها بقدرتك ورحمتك يا مغيث الأيتام والمساكين.
وكانت عفيفة في الدور الأول - كما سبقت الإشارة - فلما سمعت صراخ خليل وخروجه مغاضبا بادرت بالصعود إلى والدتها، وانطرحت أمام فراشها تسألها قائلة: ما بالك يا أماه؟ وماذا جرى لك؟ ألعل بك آلاما أو تكون أوجاعك قد زادت عن الأول؟ فإني أرى وجهك متغيرا كئيبا، أخبريني ولا تكتمي عني الحقيقة، وأريحي بالي وقلبي.
فقالت لها أمها: لا يزال مرضي على حاله فلا تنزعجي، وإن شاء الله يزول عني قريبا، وكان فؤاد واقفا على الباب فأبصرته كريمة، وأشارت إليه ليدخل فدخل ، فلما دنا منها ورأى اصفرار وجهها أيقن أن قد دنا أجلها وأزف ترحالها من هذه الدنيا.
ناپیژندل شوی مخ