وقد تصور أنها تكون قد أحبت رجلا فهجرها، فسعت في قتل نفسها اختناقا بأسفكسيا الغرق تخلصا من عذاب الحب وبلوى الفراق. وعند انتصاف النهار نهض فؤاد إلى منزل الفتاة فرأى الباب مفتوحا، فدخل وصعد على سلم عال، وانتهى إلى الدور الأعلى فقرع الباب بلطافة، فانفتح له، فوجد فسحة وبابا آخر مفتوحا فدخله، ورأى امرأة جالسة على كرسي قريبا من الشباك وعلى وجهها الكدر وفي لونها الشحوب، وكانت الحجرة قليلة الأثاث حقيرة، فتمعن في المرأة فإذا هي شقيقة غانم التي رآها في الأمس في الفندق الشرقي فلما أبصرته عرفته، وتذكرت أنه الفتى الذي اعتنى بأمرها عندما أصابها الإغماء، فهمت أن تقف إجلالا له وإكراما، فمنعها عن ذلك فؤاد وقال لها: أرجوك أن تستريحي فلا تزعجي نفسك.
فشكرته على تفضله، وقالت له ببداهة: حضرت لفضلك لمقابلة زوجي؟
فتذكر فؤاد أن الرجل الذي سمع القول عليه في الأمس هو زوجها، وأن عفيفة ابنتها من زوجها الأول، فقال لها: مرادي أن أكلمك بنفسك، وليس لي حديث عن زوجك، وربما تستغربين أني حضرت إليك على غير معرفة بيننا سابقة، فقد جرأني على ذلك معرفتي بغانم أخيك.
قالت كريمة: من قبله حضرت إلي؟
قال: كلا، إنما قادني إليك أمر مهم لا يعلمه جنابه، ثم إنه صمت قليلا ورجع يحدثها قائلا: لك ابنة اسمها عفيفة شابة، لا تزيد في العمر على الثامنة عشرة؟
قالت: نعم، وما مفاد سؤالك؟
قال: والفتاة جميلة مؤدبة لطيفة؟
قالت: هي كذلك لنكد الطالع، فالجمال يزيد المساكين بؤسا على بؤس إن كانوا من أهل التقى والصيانة.
قال: اعلمي يا سيدتي ولا تستغربي قولي أن ابنتك في حال تستدعي الانتباه ومزيد الالتفات، وأرى من الواجب علي إخبارك بأسباب ذلك، ولو أحزنك قولي وزادك هما على هم، وضاعف منك الآلام والأكدار.
قالت: قد بلغت بأكداري النهاية، فقل ما شئت أن تقول ولا تخش بأسا.
ناپیژندل شوی مخ