قال همام: تكلم يا فؤاد ... أينا المصيب وأينا المخطئ، وأينا سليم الذوق؟
قال فؤاد: ترغبان مني الوقوف على رأيي فأقول: إني لا أرى الشقراء والسمراء تستحقان الالتفات، فهما مجردتان من الحسن، فالشقراء كالحة اللون بغير لطف ولا ظرف، والسمراء قصيرة القامة ليس فيها ما يدل على الرقة والنباهة.
فلما سمع همام هذا الحكم جعل يضحك ويقول: اتبع صاحبنا فؤاد العادة في مسائل التحكيم، إنه يرضي الطرفين، فلو قال الواحد: هذا اللون أبيض، وقال الآخر مغالطا: بل أسود، جاء الحكم يقضي بينهما فيقول: اللون أحمر، فيفصل الخلاف بينهما بقضائه. ثم إنه تضاجر وقال لصاحبيه: دعانا من الجدال فهذه الساعة التاسعة، وقد فات ميعاد طعامنا، وأشهد الله على نفسي أنني لن أعود بعد هذا أدعو أحدا من بيت غانم إلى طعام.
قال فؤاد: سألتماني عن رأيي فأبديته، فأخبراني الآن هل أبصرتما الفتاة الجالسة بمعزل عن أخواتها منعكفة على شغلها ومحولة وجهها إلى الداخل؟
قال همام: إنها فتاة رقيقة الجسم، دقيقة القوام، لا ترفع رأسها عن عملها، لم أتبينها جيدا لأحكم في أمرها.
قال سعيد: والغالب في الظن عندي أنها حديثة عهد في هذه الصناعة، وأنها فقيرة بدليل رثة ثيابها وتجردها من الحلي، فليس في أذنها قرط ولا في أصابعها خواتم.
قال فؤاد: هذه الفتاة الضعيفة النحيلة القوام هي الجميلة وحدها بين أخواتها، كالنجم اللامع والبدر الساطع.
قال سعيد: رأيتها حين التفتت فإذا هي صفراء اللون حزينة كالثاكلة، ليس على وجهها شيء من الحسن، فأنا أستغرب كيف تجدها جميلة؟
قال فؤاد: إن كان الجمال بعرفك هو جمال الصور والتماثيل المصنوعة للتزويق؛ ليطرف إليها الولدان، فهذه الفتاة أجل من أن توصف بذلك، فجمالها بديع حقيقي لتجرده عن التصنع والتطرئة، وقد تفرستها فرأيتها قد جمعت مع اللطف والظرف همة الرجال وشهامتهم وكملت بالأوصاف البهية.
قال همام: أكثرت من الإطناب، فوالله لو سمعك سامع تمدحها وتصفها بهذا الوصف لظن أنك مشغوف بها مفتون.
ناپیژندل شوی مخ