قال همام: أعلم يقينا أن والدتك قد اختارت لك زوجة سعدى بنت غانم صاحبة الغني المشهور، فلا تزوجك بغيرها، فلو ساعدتك في الأمر الذي تبغيه اعتبرتني عدوا لها، فعافني بالله عليك من التدخل في هذه المسألة، وإني أقول لك الحق، فما أكتمك شيئا، فقد كنت مائلا إلى زواجك بسعدى؛ رغبة في تحصيل الغنى والثروة، ولكنني ترددت بعد أن أبصرت محبوبتك عفيفة قريبة من القلب بهية الطلعة، ما ينقصها سوى أن تكون موسرة ولو يسارا قليلا، فإنك لست بذي غنى وافر ومال واسع لتنظر إلى الجمال من دون المال فيمن تختارها لك زوجة.
قال فؤاد: بحق إنك استلطفتها يا خالي؟
قال همام: نعم، ولولا قلة ثروتك لمنعتك عن الزواج بغيرها، ولو حملت لك من تتزوجها مال قارون، إنما قبل البحث في اختيار الزوجات يجب النظر في أمر يهمك جدا، خذ هذا الكتاب فاقرأه.
فتناول فؤاد الكتاب الذي أرسله غانم لهمام، وجعل يقرؤه، وكان في أثناء قراءته يضطرب، وتلوح على وجهه علامات الكدر والغضب، فلما فرغ من تصفحه صرخ قائلا: لعن الله كل لئيم فاسد الطوية خبيث، وكل ماكر زنيم، قاتل الله غانما، كيف رماني بسوء الظن والريبة القادحة؟!
في صباح اليوم التالي أرسلت سيدة كتابا لأخيها همام جاء فيه:
أرجو منك أن تجعل فؤادا في البيت عندك، فلا يفارقه حتى يؤذن المؤذن وقت الظهر وإلا بطل التدبير بحضوره قبل هذا الأوان، ولخصوصك يا أخي فإن أمكنك أن تقابلني في الفندق الشرقي عند الساعة الحادية عشرة؛ أي قبل الظهر بساعة بشرط أن تكون وحدك، فلا تصحب معك فؤادا تكن أتممت جودك وفضلك، ولا شك عندي بخالص محبتك وصادق رغبتك في مساعدة أختك الملهوفة.
سيدة
قرأ همام الكتاب ثم وضعه على مائدة في الحجرة التي هو فيها، وجعل يقول محادثا نفسه: إنها لمأمورية - والله - صعبة، تجعلني أختي حافظا على فؤاد، بئس هذا التكليف، فليتها جعلتني حارسا لغادة هيفاء، فإني ولو طال الأمد لست منها أنوفا، وأما أن أحرس فؤادا فذلك - والله - شديد علي وثقيل على طبعي وبعيد عن ذوقي ومباين لمشربي، فليتها على الأقل أبانت عن مرغوبها وأعلمتني بالغاية التي تقصدها من الحجر على ابنها عندي، فأكون على هدى من أمري، ولكنها كتمت، وما أدراني أن يكون وراء تدبيرها ضرر لفؤاد وخليلته لا خير كما زعمت، وإن صدق ظني فمرادها أن تبعده عنها فلا يجتمعان، فلله من دهائها ومكرها.
ثم إن هماما قرع جرسا صغيرا كان أمامه، فجاء الخادم فقال له: تخبر فؤادا عندما يقوم من النوم أني أريده، ولا تدعه يخرج قبل أن يقابلني، واحذر أن يأتي أحد بحركة أمام حجرته؛ لئلا يهب من منامه وهو منهوك تعبان يحتاج إلى الراحة، ثم بعد انصراف الخادم عاد همام يناجي نفسه بقوله: لو ظل فؤاد نائما لكانت المأمورية هينة سهلة، ولكنني أخشى أن يفيق فيلبس ثيابه، وينهض سريعا إلى محبوبته، فلا يقبل منى رأيا، ولا شك أنه لم ينم الليل، ولم يبرح ذكر محبوبته من باله، فكيف أطمع بمنعه عن الزواج، والنهار قد طلع، والشوق قد أكل عظمه وبراه، فلو أن أختي أطلعتني على سرها لكفتني الحيرة، فربما كنت أتدبر طريقة أخرى أنسب من طريقتها، وتكون حيلتي ألطف من حيلتها وأخف وطأة وأسهل مراسا.
وبينما كان همام يجيل هذه الخواطر في نفسه دخل الخادم مخبرا بحضور سعيد بن غانم، فنهض همام لاستقباله، ولما تقابلا اعتذر سعيد بقوله: أرجوك عدم المؤاخذة يا سيدي على الحضور في هذه الساعة، فهي غير مناسبة للزيارة، ولكنما حملني عليها سبب جوهري، فالعذر مقبول، وكان على وجه سعيد علامات الاضطراب والكدر بالرغم من طبيعته، فإنه كان على الدوام فرحا مسرورا.
ناپیژندل شوی مخ