قال غانم: نحن في مقام ثلاثة لتحرير محضر يؤذن بنصبك وصيا على عفيفة وذلك كاف.
قال خليل: لا يكون هذا القرار نافذ المفعول إلا بترئيس أحد قضاة المحكمة، واستدعاء شاهدين من العدول يشتركون جميعا في العمل. وكان خليل قد اعتمد على أحد القضاة وشاهدين من معارفه لإتمام غرضه ونوال إربه، فقال لغانم: قد أزف الوقت، فمن المناسب الاجتماع غدا فأكون قد أحضرت القاضي والشهود.
قال غانم: حسن، وبعد تقرير الوصاية لك على عفيفة تباشر الدعوى على فؤاد جنائيا.
قال خليل: وهو كذلك، ومتى صدر الحكم عليه بما يقضيه القانون على مرتكبي مثل هذه الجنايات، أنقذ الكون من شره، وأزيل ما لحقنا من العار والفضيحة.
وبعد أن قال هذا، نهض للخروج فرافقه سعيد إلى خارج الفندق، وقال له: إنني أعرف منزل عفيفة.
فقال له سعيد: نذهب معا إليها، فاستدعيا عربة، ونهضا قاصدين مصر العتيقة، وبقي غانم في حجرته يكتب المكاتيب المتعلقة بأشغاله.
الفصل السابع عشر
قد علم الناظر في هذه القصة كيف استعمل خليل الدهاء والخداع ليوهم غانما أنه مخلص النية سليم القصد، فيقوم وصيا على فتاة سليمة القلب نقية، قد فتنه حسنها الفائق، فشرهت نفسه الخبيثة إلى اجتناء لذة منها محرمة، وتكون البنت بين يديه أسيرة لا يسأل عنها أحد، وليس لها معين ولا ناصر. ولكن التقادير تجري بمشيئة الرحمن، فإنه بينما كانت عوامل الشر والمكر جارية في الفندق الشرقي للكيد على فؤاد، وتحويل حبه الطاهر السليم وغرامه العذري إلى دعارة وفسق وأشنع جناية، جرى في المنزل الخلوي في مصر العتيقة مظهر آخر مخالف شكلا ووصفا بعوامل الصداقة وخالص الوداد بين فؤاد ومحبوبته، فعلى القارئ أن يتبعنا في النظر إلى نهاية القصة؛ ليعلم لأي فريق يكون الغلب وكيف يكون المنقلب.
كان من عادة فؤاد الحضور إلى منزل عفيفة كل يوم ليزورها، فتجلس بقرب نافذة المنزل كل يوم نحو الساعة الثالثة بعد الظهر منتظرة قدومه، غير أنها لشدة اضطراب الأفكار عندها في ذلك اليوم جاءت قبل أوانها، فوجهت أنظارها إلى الطريق التي يمر فيها حبيبها، وكانت تكشف الساعة من حين إلى حين وتعد الدقائق، وكلما رأت إنسانا على بعد حسبته فؤادا حتى يقترب منها فيخيب أملها ويتكدر بالها.
ثم إن الساعة قرعت ثلاثا فرأت خيالا مطلقا عنان جواده فتبينته فإذا فؤاد قد جاء مسرعا، فتهللت لرؤيته، وهرعت إلى الباب لاستقباله، فنزل عن جواده، وبعد أن سلمه إلى الخادم تقدم نحوها، وجعل يده على يدها مصافحا وقال لها: أسعدت يا حبيبتي مساء وصباحا، الله يعلم مبلغ اشتياقي إليك، أنت بهجة نفسي ومسرة قلبي، وكل يوم لا أراك فيه يضيق صدري، وكل ساعة في البعد عنك مقدارها ألف عام، وألف عام بقربك كلحظ البصر قصير، لا أحرمني الله من هذا الوجه النضير.
ناپیژندل شوی مخ