قال: لماذا لا يتم لك أمر وهي على ما أرى تحبك؟ ويشهد على ذلك إعطاؤها لك الخاتم.
قال: يا روبير، لا تزدني هموما؛ إذ كيف أرجو قربها وهي ابنة ملك، وأنا ابن راع لا أصل لي ولا نسب؟!
فقال: لا يا سيدي، لا دخل للأصل في الحب، وإني أراها لم تسألك: ابن من أنت؟
قال: نعم، ولكن منعها الخجل من الاستفهام، وليس هذا الأمر بيدها، بل هو بيد والدها، وهو لا يزوجها إلا لمن يليق بها.
ثم بكى بكاء مرا، وأن أنين من فارق أحباءه، وكان «روبير» يسكن روعه، ويعده ببلوغ الآمال، ولرأفته عليه هم بإخباره من هو وابن من هو ليعلم أنه من نسل الملوك لأجل ألا يسلم نفسه لليأس فيهلك، ولكنه تذكر وصية الوزير والكاهن ألا يخبره ابن من هو؛ لأنه لو علم أنه ابن الملك «قمبيز» وأن جده «أستياج» لاشتغل بأخذ الثأر، وهو لم يقو على ذلك بعد فيحزن، أو يتهور في الأمر فيهلك. فسكت «روبير»، وانصرف إلى جهة النهر، فنزلا يقطعان النهر إلى أن بلغا البر الشرقي، فركب «كورش» جواده قاصدا جهة القصر، فاستقبلهما «فانيس» و«بركزاس» بغاية الترحاب، ولكنهما اندهشا لما وجدا «كورش» متغير الوجه باكي العين، فانعطفا عليه انعطاف الوالدة على ولدها، وسألاه إذا كان يشكو ألما، أو أثر فيه برد النهر كل ذلك، وهو مطرق إلى الأرض لا يبدي ولا يعيد، وكان أوصى «روبير» أن لا يخبر أحدا بما حصل فسكت «روبير»، ولم يذكر شيئا مما جرى وكتم السر، وجاوب عن كل ما سألاه عنه: بلا أدري. فسكتا، وهما على مضض؛ إذ لا فائدة من الاستفهام والسؤال، وصار «كورش» ليس له دأب سوى البكاء والنحيب، ونشيد الأشعار آناء الليل، وأطراف النهار.
الفصل العاشر
في قصر شاهزنان
أما «شاهزنان» فإنها ما برحت تلك الأرض إلا وصورة «كورش» قد ارتسمت في مخيلتها، وألفاظه العذبة ترن في سمعها، وما وصلت إلى مدينة «نينوى» إلا وقد روت الأرض من دمعها، وذبلت نضارة محياها الباهر. ولما استقر بها المقام دخلت حجرتها الخصوصية، وخلت بنفسها وبكت وشكت وجدها، وأنت أنين الثكلى.
وقالت: واويلاه! ما هذا البلاء، وما هذه المصيبة العظمى، كيف العمل؟ ومن أين يتيسر لي أن أراه مرة أخرى - ولو في المنام؟ ما هذه البلوى التي لا تطاق؟ كيف ذهلت عن السؤال منه ابن من هو، وأين مقيم، ومن أي طبقة في النسب حتى كنت أعلم مستقره، ويتيسر لي تلقي أخباره، فيستريح لذلك قلبي، وأستريح؟
ثم أطلقت لفكرها العنان قدر ساعة متفكرة، كيف تصنع للوصول إلى أخباره؟ ثم خطر لها أن تخبر «خواند» بما عندها لتكون مساعدة لها على ما تريد أن تجريه من البحث، فانشرحت لهذا الفكر، وقامت متجهة جهة الباب، وإذا بها تجد إحدى الجواري يستأذنون «لخواند» بالحضور إلى حضرة الأميرة «شاهزنان»، فأذنت لها فدخلت، وسلمت بكل اشتياق، وجسلتا تتحادثان من موضوع إلى آخر حتى وصلتا إلى ذكر رحلتهما، وكانت «خواند» تلاحظ بكل دقة وجه «شاهزنان»، وتنظر ما طرأ عليه من التغير عند ذكرها تلك الرحلة ومسألة غرقها في النهر. ثم التفتت إليها، وقالت: روحي فداك يا مولاتي! مالي أرى على وجهك الباهر علامات الكدر والحزن؟
ناپیژندل شوی مخ