قيل له ولا قوة إلا بالله: أنكرنا ذلك، لأن ما صح حدثه فقد صح منتهاه، ولا بد لكل مخلوق من غاية يتناها إليها، وصفة لا يوجد إلا عليها، إذ لا بد للمخلوق من تحديد محدد، والإحاطة بعلمه، ولا بد له من منقطع يدل على قاطعه، وحدود تدل على محدده وصانعه، وسنين من ذلك إن شاء الله تعالى طرفا نكتفي به عن التطويل، من صنع الله العظيم الجليل، وكذلك أنا نظرنا إلى الأرض، فإذا هي مختلفة الألوان والأقدار، فعلمنا أن لها صانعا خالف بين أجناسها، ولو كانت قديمة لاتفقت، ولما تفاوتت ولا اختلفت، لأن القديم لا فرق بينه في حال من الأحوال، والمحدث فقد فرق بينه ذو الجلال.
والدليل على نهاية جميع المصنوعات، من الأهوية والأرض والسماوات، أنها لا تخلو من أحد وجهين:
إما أن يكون صانعها فرغ من صنعها وقطعها.
وإما أن تكون ناقصة بعد ما ابتدعها، فإن كان الصانع قد أتم صنعه، وفرغ من العالم وقطعه، فقد صح تناهيه لانقطاعه، وحدده الصانع بعد ابتداعه، وإن كان هذا العالم محتاجا إلى النظام، فناقصه ذو الجلال والإكرام، وما كان ناقصا عن الكمال فهو مقطوع، وما كان له منقطع فهو مصنوع، والله محدثه وصانعه، ومحدده وقاطعه.
فإن قال: فكيف ثبتت الأرض على ثقلها، بغير عمد يعمدها؟!
قيل له ولا قوة إلا بالله: قد قيل في ذلك: إنها ثبتت من قبل الاعتدال، ثم هذا تقول من أحوال المحال، لأنا نجد ما كان ثقيلا، لا يثبت بغير عمد وإن كان معتدلا.
وقيل أيضا: إنها على لحج البحار، ويستحيل كون الأرض على الأنهار، لما طبعت عليه من الإنحدار، وقلة اللبث والقرار.
مخ ۸۸