قيل له ولا قوة إلا بالله: كلامك هذا محال باطل، لا يقبله من الناس عاقل، لأن ما صح حدثه فهو كله محدث، ثم نقضت قولك بقولك لا نهاية له، لأن الكل دليل على أنه لم يبق منه شيء حتى حدث بعد عدمه، فبطل ما ادعيت من قدمه.
ودليل آخر
أن العقل لا يقع إلا على الكل والبعض، والطول والعرض، ولا يخلو الهواء من أحد ثلاثة أوجه:
إما أن يكون ساكنا كله.
وإما أن يكون بعضه ساكنا، وبعضه متحركا.
وإما أن يكون لا ساكنا ولا متحركا.
فإن قلت: إنه لا ساكن ولا متحرك جحدته، وأبطلت ما بالقدم وصفته، بل إن كنت من المشبهة فقد عبدته.
وإن قلت: بعضه ساكن وبعضه متحرك، فقد حددته وناهيته، وقسمته وجزأته، وأجملته وبعضته، لأنه إن كان على ما وصفت فهو على ضربين، وجزؤين موصوفين متناهيين محدودين، وحالين مختلفين، متغايرين معروفين.
فإن قلت: إنه ساكن كله، فقد أقررت صاغرا إذ وصفته بالسكون فحددته، إذ لم يبق منه السكون شيئا حتى جرى عليه، ولم يذر منه قليلا ولا كثيرا حتى وصل إليه، فانظر أي القولين أولى بالحق.
- - -
باب الدلالة على حدث الأجسام
ودليل آخر
يقال لمن قال بقدم الأجسام: أخبرنا ما أعظم الأجسام وأجلها، فلا بد أن يقول الأرض والسماء، فيقال له: أهما في الهواء، أم لا؟
فإن (1) قال: لا، كذب، وإن أقر بذلك صدق، ووجد الأجسام لا تنفك من الهواء، وما لم ينفك من المحدث، ولم يوجد إلا بوجوده، فهو مثله مكون بكونه.
فإن قال: وما أنكرت من أن تكون الأرض منحدرة سفلا إلى ما لا يتناها، وكذلك السماء مصعدة؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: هذا محال باطل فاسد، وذلك أنهما مخلوقتان.
فإن قال: وما الدليل على ما ادعيت من حدثهما؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: الدليل على حدثهما أنهما لم ينفكا قط من الهواء الذي بينهما، وقد أوضحنا حدث الهواء فيما تقدم من كلامنا، وما لم ينفك من المحدث ولم يكن قبله، فسبيله في الحدث سبيله.
مخ ۸۲