لولا ذلك إلا خشبًا يابسًا ميتًا وليس بالشجرة النامية ولا بالغاية الكثيفة الملتفة التي لا تبرح تمدك بالخشب إثر الخشب فيما تمدك وتعطيك! ولن يجد المرء السبيل إلى العلم حتى يجده أولًا إلى العبادة أعني أنه لا علم إلا لمن عبد وإلا فما العلم إلا شقشقة كاذبة وبقلة كما قلت ذابلة.
وقد قيل وكتب كثيرًا في شهوانية الدين الإسلامي وأرى كل ما قيل وكتب جورًا وظلمًا فإن الذي أباحه محمد مما تحرمه المسيحية لم يكن من تلقاء نفسه وإنما كان جاريًا متبعًا لدى العرب من قديم الأزل وقد قلل محمد هذه الأشياء جهده وجعل عليها من الحدود ما كان في أمكانه أن يجعل والدين المحمدي بعد ذلك ليس بالسهل ولا بالهين وكيف ومعه كل ما تعلمون من الصوم والوضوء والقواعد الصعبة الشديدة وإقامة الصلاة خمسًا في اليوم والحرمان من الخمر وليس كما يزعمون كان نجاح الإسلام وقبول الناس إياه لسهولته لأنه من أفحش الطعن على بني آدم والقدح في أعراضهم أن يتهموا بأن الباعث لهم على محاولة الجلائل وإتيان الجسائم هو طلب الراحة واللذة - التماس الحلو من كل صنف في الدنيا والآخرة! كلا فإن أحسن الآدميين لا يخلو من شيء من العظمة والجلال فالجندي الجاهل الجلف الذي يؤجر يمينه وروحه في الحروب بأجر بخس له مع ذلك شرف يحلف به فتراه لا يبرح يقول: لأفعلن ذلك وشرفي: وليست أمنية أحقر الآدميين هي أن يأكل الحلوى بل أن يأتي عملًا شريفًا وفعلًا محمودًا ويثبت للناس أنه رجل فاضل كريم ليعمد أيكم إلى أبلد إنسان فيريه سبيل المكرمات والمحامد فإذا هو قد تأجج قلبه حماسًا واتقدت نفسه غيرة وصار في الحال بطلًا وما أظلم الذين يتهمون الإنسان بقولهم أنه ميال بفطرته إلى الراحة وأنه يستهوى بالترف ويستغوى باللذة إنما مغريات الإنسان وجاذباته هي الأهوال والصعائب والاستشهاد والقتل أقدح ما بنفس المرء من زناد الفضل تذك نارًا تحرق سائر ما فيه من الخسائس والنقائص وما كان قط اعتناق الناس لدين من الأديان لما يرجون من متاع ولذة بل لما يثور في قلوبهم من دواعي الشرف والعظمة.
وما كان محمد أخا شهوات برغم ما اتهم به ظلمًا وعدوانًا وشد ما نجور ونخطئ إذا حسبناه رجلًا شهويًا لا هم له إلا قضاء مآربه من الملاذ - كلا فما أبعد ما كان بينه وبين الملاذ أية كانت لقد كان زاهدًا متقشفًا في مسكنه ومأكله ومشربه وملبسه وسائر أموره وأحواله وكان
2 / 24