د پلاټون د میلمستیا: خبرې په مینه
مائدة أفلاطون: كلام في الحب
ژانرونه
ومما هو جدير بالذكر أن أفلاطون يقول بالبعث والنشور والخلود والثواب والعقاب، ويلحق هذا كله بأفكار شعرية جميلة بعيدة المدى، ولكنها غير منطبقة على المنطق؛ ولأجل هذا ضرب تلميذه أرسطو عرض الحائط بمعظم آرائه في المعنى والصور والمثل والبعث والنفس، ولكن فضل أفلاطون على الحكمة لا ينكر، ومن الغريب حرية فكره وتعصبه؛ فقد كان في جمهوريته يبيح أن يكون الملك والنساء شائعة، ولكنه يعاقب على الإلحاد بالسجن لمدة غير معينة، وقد نظم لمحاكمة الملحدين محكمة أفظع من محاكم التفتيش، ولكن «الله» سلم.
ثم انتقلنا إلى الكلام على أرسطو، وهو أكبر عقل رآه العالم في الأزمنة القديمة والحديثة بلا ريب، وبه ابتدأت الفلسفة العلمية، وإليه انتهت، ومن كانوا قبله قد مهدوا له السبيل، ومن جاءوا بعده إنما كانوا يأكلون من فتات مائدته، وقد سموه المعلم الأول؛ لأنه واضع التعاليم المنطقية، ومخرجها من القوة إلى الفعل، وحكمه حكم واضع النحو، وواضع العروض؛ فإن نسبة المنطق إلى المعاني التي في الذهن نسبة النحو إلى الكلام، والعروض إلى الشعر، والمنطق ميزان لأذهان المتعلمين يرجعون إليه عند اشتباه الصواب بالخطأ، والحق بالباطل. وقال عن النفس الإنسانية مخالفا أفلاطون إنها حدثت مع حدوث البدن لا قبله ولا بعده، وإنها تهلك بهلاك البدن، وإنه ليس هناك ثواب ولا عقاب، ولا بعث ولا خلود، وهذه الأقوال هي التي أدت إلى تكفير من قال بها من فلاسفة العرب الذين نقلوا حكمته مثل ابن رشد. ويمكن القول بحق إن باب الفلسفة الحقيقية قد أغلق بعد أرسطو؛ لأنه قال كل ما يمكن أن يقوله إنسان.
وقد طبع الشيخ السيد علي الطوبجي كتاب السعادة في الأخلاق لابن مسكويه، وفي آخره ملخص جليل لمؤلفات أرسطو آثرنا نقله برمته زيادة في النفع؛ قال ابن مسكويه: «إن الحكيم أرسطو هو الذي رتب الحكمة، وصنفها، وجعل لها نهجا يسلك من مبدأ وإلى نهاية كما ذكره بولس فيما كتبه إلى أنوشروان؛ فإنه قال: كانت الحكمة قبل هذا الحكيم متفرقة كتفرق سائر المنافع التي أبدعها الله تعالى، وجعل الانتفاع بها موكولا إلى جبلة الناس، وما أعطاهم من القوة على ذلك مثل الأدوية التي توجد متفرقة في البلاد والجبال، فإذا جمعت وألفت حصل منها دواء نافع، وكذلك جمع أرسطو ما تفرق من الحكمة، وألف كل شيء إلى شكله، ووضعه موضعه حتى استخرج منه شفاء تاما يداوي النفوس من أسقام الجهالة، وكان من ترتيبه ذلك أن نظر في جزأي الحكمة؛ أعني النظري والعملي، فوجد النظري فيها إما أن يكون في الأشياء التي في مواد، وإما في الأشياء التي ليست في مواد، وكل واحد من هذين القسمين ينقسم أيضا قسمين؛ لأن الأشياء التي في مواد، منها ما هو تحت الكون والفساد، ومنها ما ليس تحت الكون والفساد، والأشياء التي ليست في مواد منها ما هو منتزع في المواد، ووجوده في الوهم، ولا وجود له من خارج، ومنها ما ليس بمنتزع من المواد، بل له وجود في ذاته خارجا عن الوهم؛ فهذه الأربعة هي الأقسام الأول التي ينقسم إليها الجزء النظري؛ ثم إن الأمور التي في المواد منها ما هو مشترك لها كلها، ومنها ما هو خاص ببعضها؛ منها ما يخص الأشياء السرمدية، ومنها ما يخص الأشياء الكونية؛ وما يخص الكونية منها ما هو مشترك لها كلها، ومنها ما يخص بعضها؛ وما يخص بعضها منها ما يخص الأشياء التي فوق الأرض، ومنها ما يخص الأشياء التي في الأرض؛ وما يخص التي في الأرض منها ما يخص الأشياء التي لا نفوس بها، ومنها ما يخص الأشياء التي لها نفوس؛ وما يخص الأشياء التي لها نفوس منها ما يخص ذوات الحس، ومنها لا حس له؛
2
فصنف أرسطو في كل قسم من هذه الأقسام هذه الأشياء كتابا، فاشتملت كتبه على جميع ما سطر فيه حسا عقلا، ولم يفته شيء.
ولما كانت عنايته مصروفة إلى تصحيح الإرادة في هذه الأمور كلها، وإعطاء اليقين، والإقناعات الكافية فيها، وأن يسلم من الخطأ والغلط في المعقولات اضطر إلى أن يبحث عن مراتب الإقناعات، وينظر في الأشياء التي لا يمكن أن يغلط فيها، ولا يأمن أن يقع في باطل يظنه حقا، ويعتقد في حق أنه باطل ما هي مراتب هذه أيضا ، وجعل لها صناعة وقوانين يوقف بها على مراتب هذه الأمور، ومنازلها من اليقين وغيره ليسدد الإنسان طريق الصواب في كل مطلوب لئلا يجري في الحكمة جري أصحاب المذاهب في التخيل والأهواء؛ فإن هؤلاء غلطوا وهم لا يشعرون، وربما شعروا وانتقلوا عن رأي إلى رأي، ولا يأمنون أن يسخ لهم في الرأي الثاني ما كان سخ في الأول؛ فهم أبدا إما على غلط، وإما في شك وحيرة، فإذا عرف الإنسان الأشياء التي من شأنها أن يغلط فيها تحرز منها، وتيقن فيما أنه قد صادف فيه الحق، ولم يغلط، فإن تخيل له في شيء أنه يسهو فيه رجع إلى قوانين الصناعة، فعلم للوقت بموضع غلط إن كان فتلافاه بسهولة، ويمكنه مع ذلك أن يصحح ذلك الرأي لنفسه ولغيره، فإن بدله وتبينه له، وهذه صناعة المنطق، وأقرب مثال أجده لها في الصناعات العروض والنحو؛ فإن كل واحد منها يناسب المنطق بوجه، وذلك أن ها هنا أوزان من الشعر صحيحة، وربما غلط فيها، ولم يكن صاحب صناعة فظنها مكسورة، وربما ظن بالمكسور منها أنها صحيحة، وإذا رجع إلى القانون الصناعي عرف موضع الشك، وقدر على ما يجب وتيقن موضع الغلط إن كان، وأصلح ما سها فيه، ويناسبه أيضا صناعة النحو بوجه آخر؛ وذلك أن نسبة صناعة النحو إلى الألفاظ كنسبة صناعة المنطق إلى المعاني، وكما أن النحو يسدد اللسان نحو صواب القول، ويعطي القوانين التي يعرف بها الإعراب، فكذلك المنطق يسدد الذهن نحو صواب المعاني، ويعطي القوانين التي تعرف بها الحقائق، وكما أن النحوي، وإن كان غرضه إصلاح الألفاظ، فإنه ينظر أيضا في المعاني ليصحح بها المعاني، والنحوي ينظر في الألفاظ بالذات وبالقصد الأول، وينظر في المعاني بالعرض، وبالقصد الثاني؛ والمنطقي ينظر في المعاني بالذات وبالقصد الأول، وينظر في الألفاظ بالغرض وبالقصد الثاني؛ فقد تبين غرض الحكيم في صناعة المنطق، وإن من جهل هذه الصناعة عرض له بالضرورة أنه لا يقف على صواب من أصاب كيف أصاب، ومن أي جهة أصاب، ولا على سهو من سها أو غلط، كيف وفي أين سها أو غلط، وتحير في الآراء؛ فمنها ما يصححه من غير ثقة، ومنها ما يزيفه بغير بصيرة، ومنها ما يتوقف فيه لا يدري بماذا يحكم له، ثم لا يأمن فيما صححه اليوم أن يرد عليه في غد ما ينقضه عليه، وتشكك فيه، وفيما زيفه أن يصح عنده في وقت آخر، فينظر فيما هو عنده صحيح أنه يجوز أن يفسد، وفيما هو فاسد أنه يجوز أن يصح، وعسى أن يرجع إلى ضد ما هو عليه في الأمرين جميعا؛ إما لخاطر يرد عليه من نفسه عن اعتقاده الأول، وإما برأي غيره، فإذا غرض من يدعي الكمال في العلم والثقافة بالجدل، ويصيره ببراعته لم يكن عنده ما يمتحنه به، وإما أن يحسن الظن به فيقبله، وإما أن يتهمه فيرده.
وليس يخلو في حاليه من أشياء ترد على عقله فيوهمه في شيء أنه حق، وفي آخر أنه باطل، والمنطق يدله على هذه المواضع، ويصحح له الصحيح، ويعلمه لم صار صحيحا، ويزيف الباطل ويريه له لم صار باطلا؛ فنحن مضطرون إلى تصحيح المعاني في أنفسنا بقوانين صناعية تنفي بما يحوطنا من الغلط، وإلى تصحيح الألفاظ التي تدل بالمواطأة على تلك المعاني لئلا يعترض لغيرنا ما يغلطه فيها، فكلا هذين يسمى صناعة المنطق، إلا أن أحدهما ينظر فيه بالذات، والآخر بالعرض كما بينا. ولما تأمل أرسطو مراتب إقناعات النفس، وأراد أن يرتبها ويجعل لها قانونا صناعيا ليتوصل بها إلى حقائق الأشياء، قسم ذلك كما قسم العلوم التي تقدم شرحنا لها،
3
ونظر فإذا أنواع القياسات والأقاويل يلتمس بها تصحيح رأي، ويتوصل بها إلى حقيقة مطلوب، إما عند أنفسنا، وإما عند غيرنا تنقسم إلى ثلاثة أقسام؛ إما أن تكون صدقا كلها، ويقينا لا شبهة فيها، وإما أن تكون كذبا كلها وشكوكا، وإما أن تكون صادقة في البعض، وكاذبة في البعض الآخر، وهذا النوع الأخير ينقسم ثلاثة أقسام؛ إما أن يكون صدقه أكثر من كذبه، وإما أن يكون كذبه أكثر من صدقه ، وإما أن يتساوى فيه الأمران، فصار جميع أنواع القياسات خمسة يقينية وظنونية ومغلطة ومقنعة ومخيلة، فصنف لكل واحد من هذه الأقسام كتابا وعلم تناول هذه الطريقة بقوانين لا يمكن أحدا أن يؤدي إلا خلاف جوهر الشيء المطلوب، ولا يمكن أحدا أن يرجع عنه ولا يقع فيه تهمة ولا شك، وسماه كتاب البرهان.
وأما القياس الذي هو كذب كله فهو ما يخيل في الشيء أنه على صورة، وليس هو عليها بالحقيقة، ومثاله ما يعرض للعين عند النظر إلى المحسوس، وربما تخيل الإنسان في الشيء خيالا فاسدا، ثم يبادر إلى العمل بما يقتضيه ذلك الخيال، فتجيء الأفعال رديئة قبيحة، فصنف فيه كتابا دل على وجوه هذه التخيلات من أين يقع وكيف يقع، وسماه كتاب الشعراء والصناعة الشعرية؛ وأما الذي صدقه أكثر من كذبه فهو ما توجد قياساته من أشياء مشهورة ليست ذاتية ولا جوهرية للمطلوب، ولا بها قوامه فيلتمس الإنسان إبداع ظن قوي، إما عند نفسه، وإما عند غيره حتى يقع له وإن لم يكن يقينا، فصنف فيه كتابا ودل على وجوه هذه الظنون وأنى تصدق، ومن أين، وكيف، وأنى تكذب، ومن أين، وكيف، وسماه الجدل والصناعة الجدلية؛ وأما الذي كذبه أكثر من صدقه فهو الذي يغلط فيتوهم فيما ليس بحق أنه حق، وفيمن ليس بعالم أنه عالم، وهذا الغلظ يكون على وجوه وعلى ضروب، فصنف كتابا دل فيه على وجوه التلبيسات والتمويهات والأغاليط كيف تقع، ومن أين، وسماه صناعة السوفسطائية، وهي الحكمة في اللغة اليونانية، مشتقة من سوف وهو الحكمة، ومن أسطيس وهو التلبيس والتمويه؛ فكان معناه الحكمة المموهة، وكل من كان قادرا على التلبيس أو التمويه، إما في نفسه بأن يوهم أنه حكيم وليس بحكيم فهو سوفسطائي، وليس كما يظنه معلمو الإسلام أنه كان في الزمن القديم رجل يقال له سوفسطا، وكان يدفع حقائق الموجودات، وأنه له شيعة ينصرون مذهبه، ويسمونه به؛ فإن هذا ظن لا أصل له، ولم يكن قط رجل فيما سلف يقال له سوفسطا، ولا سمي به أحد، ولا نصر هذا الرأي قوم بأعيانهم، وإنما ينسب إلى صناعة الجدل، فيقال جدلي ليس أن هناك رجلا يقال له جدل.
ناپیژندل شوی مخ