أن الإنسان لا يجب عليه أن يبغض أعداءه ولا يقاومهم، بل يجب عليه أن يحبهم ويساعدهم ويخدمهم. ا.ه.
وهو يستشهد بآيات الإنجيل كثيرا، سواء كان في كتاباته أو في حديثه، مع أن تعاليمه تدل على أنه بعيد عن ذلك بعدا شاسعا، فهو ينكر سر الفداء والثالوث الأقدس وألوهية المسيح، أما اعتقاده بخلود النفس والحياة الثانية فهاك ما قاله عن ذلك:
إني أعتقد بالحياة العتيدة، وأعتقد أيضا بأن الحياة لا تنتهي بالموت، ولكنني لا أدري كيف تكون تلك الحياة؛ لأنه لا لزوم لمعرفتها.
ومما قاله عن فساد المجتمع الإنساني: إن تاريخ الإنسان من حين وجوده لغاية الآن تاريخ ظلم وجور وحرب وخصام، والناس مختلفون في تحديد الظلم والجور، فإذا أتيح لكل واحد أن يقاوم ما يحسبه ظلما وجورا لامتلأت الدنيا بالحروب والخصومات، وأفضل شيء لملافاة هذه الشرور الكثيرة أن يفعل كل واحد الخير مع غيره بدلا عن الشر، فتنصلح أحوال الناس عما هي عليه من الظلم والجور.
أما سبب زيادة الشقاء ووقوع الجرائم، فهي لأن كل إنسان في هذا العالم يهتم بنفسه، ويسعى لصالحه الخاص بدون أن ينظر إلى أخيه في الإنسانية مهما كانت حالته، فلو اهتم الأغنياء وكبار الناس وألفوا جمعيات، وأنشئوا المعامل، وجمعوا للعمل فيها المتشردين وذوي الفاقة لانقطعت اللصوصية واللصوص عن وجه الأرض؛ لأنهم يخلدون إلى السكينة والانصباب على العمل، وإذا بحثنا عن أحوال اللصوص وقطاع الطرق نرى أن سبب اندفاعهم إلى إقلاق راحة الناس وسلبهم هو العوز والاحتياج، فعدم اهتمام الأغنياء والحكومة بالفقراء وذوي البأساء، وتركهم وشأنهم يدخلون الحانات وبيوت الفساد والرذيلة لقلة العمل بسبب وجود الفساد والشر، والحكومة إذا تسنى لها وقوع أحد المجرمين في قبضة يدها تقوده إلى المحاكمة، وتستدعي الأغنياء المنتخبين أعضاء لديها فتحكم عليه وتزجه في السجن مع أولئك المنكودي الحظ الذين حرمتهم الحرية، وعلمتهم البطالة والفساد، وقادتهم إلى الرذيلة والشر، وهي - أي الحكومة - تظن أنها بزجها المجرمين في السجن تقوم بواجباتها نحو الهيئة الاجتماعية، غير عالمة بأنها تقترف جريمة لا تغتفر مع أخيها في الإنسانية الذي قادته إلى السقوط، وكان في وسعها أن تخلصه من الحالة التي آل إليها أمره؛ لأن السجون لا تؤثر في حالة الناس بل تزيد في تعاستهم، والهيئة الاجتماعية ليست قائمة الآن بسطوة القضاء وقوة المحاكم؛ بل لأن الناس لا يزالون يحبون بعضهم بعضا، ويشفقون على بعضهم.
وقال يصف الشرور: «إن الفلاح الذي يفلح أرض غيره، ويبتاع ضروريات الحياة بالثمن الذي يطلب منه لا يستطيع أبدا أن يصير غنيا مهما كان مجتهدا مقتصدا، وأما الرجل الشريف المبذر الذي يتسرب في مناصب الحكومة، أو ينال الحظوة لدى أربابها، أو يصير مرابيا، أو صاحب معمل أو بنك، أو تاجر خمر، أو يقتني بيتا للمومسات ، فهذا ينال الغنى من أقرب طريق، وأمثلة ذلك كثيرة حولنا.»
ثم قال: «على م نرى الرجال الأقوياء الماهرين المعتادين التعب هم والفريق الأكبر من بني البشر يخضعون لأناس ضعفاء الأبدان لرجال أخنات أو شيوخ عجزة؟ لماذا نرى الأقوياء يتعبون لهؤلاء الضعفاء؟ لأن الضعفاء قد امتلكوا الأرض وخيراتها والمعامل وما فيها، والحق الذي يمتلك به الغني الأرض، ويجني ثمار ما يتعب به غيره لا ينطبق على مبدأ من مبادي العدل والإنصاف، وما هو إلا اغتصاب تؤيده القوة الحربية.
وقد صار العمال آلات لقهر إخوانهم بصيرورتهم جنودا للحكومة وآلات في يدها للقتل والفتك، وما دام الناس يحللون قتل غيرهم تبقى الجنود في يد رجال الحكومة؛ أي في يد فريق صغير من الناس، ويبقى هذا الفريق مستعينا بهم على ابتزاز الأموال من الذين يكسبونها بعرق جبينهم، وشر من ذلك أن رجال الحكومة يفسدون جمهور الناس، ولولا ذلك ما استطاعوا التسلط عليهم وابتزاز أموالهم، وأصل كل الشرور ما رسخ في الأذهان من أن تجنيد الجنود لقتل الناس ليس إثما، بل هو شرف كبير وعمل نبيل؛ لذلك لا تزول الشرور من الدنيا بتحرير الفلاحين، ورفع الضرائب، وتكثير الآلات والأدوات، ولا بإبطال الحكومات الحاضرة؛ بل بإبطال كل تعليم ديني يجيز للناس أن يحملوا السلاح لقتل غيرهم.»
وقال في هيئة المجتمع الإنساني: «عبثا يحاول بضع مئات من البشر المتراكمين بعضهم على بعض في مكان ضيق تشويه وجه الأرض التي يعيشون عليها، عبثا يسحقون تربتها بالحجارة حتى لا ينبت فيها نبات، عبثا يفسدون الهواء برائحة البترول والفحم الحجري، عبثا يقطعون الأشجار، عبثا يطاردون الحيوانات والطيور، عبثا يصنعون كل ذلك، فالربيع في المدن لا يزال ربيعا، الشمس فيه تزداد إشراقا، والنبات تدب فيه روح الحياة، لا في جوانب الشوارع الكبرى فقط، بل بين بلاط الطرق أيضا، وكذلك الأشجار والأزهار والطيور وسائر المخلوقات التي تسر وتبتهج بأشعة الشمس المحيية، كلها تكون مسرورة مبتهجة في الربيع إلا الإنسان الذي يستنكر جمال تلك الأمور الطبيعية المقدسة، ولا يرى جميلا غير ما يضعه ويتصوره من الأمور التي يغش بعضه بعضا، ويعذب بعضه بعضا.»
وقال عن أخلاق وأطوار الناس: إن أفكار الناس كلها متفقة على أن الجمال صفة حسنة تغطي كل قبائح ونقائص المرأة، فالغادة الفتانة إذا حدثت خرافة أو حماقة يقبلها السامعون بكل ارتياح، ويعدون تلك الحماقة نبالة زائدة والخشونة رقة وظرف، وإذا اقترفت عملا مستهجنا فإنه يظهر لمحبيها منتهى الآداب والكمال.
ناپیژندل شوی مخ