(1)
هذه القصة نوع من المدائح النبوية، وهي ليست قديمة العهد في التاريخ الإسلامي، وإن زعم بعض مؤلفي الموالد أن النبي أوصى في حياته بأن يحتفل المسلمون بمولده بعد أن يموت، وأغلب الظن أن الاحتفال بالمولد نشأ في بلاد فارس. وأقدم ما وصلت إليه في تاريخ هذا النوع من الاحتفال ما قرأته في نفح الطيب عن ابن دحية، وقد مر بأربل سنة 604ه ورأى مظهر الدين كوكبري معتنيا بعمل المولد النبوي في شهر ربيع الأول من كل عام، فصنف له كتابا سماه: «التنوير في مولد السراج المنير» وختمه بقصيدة طويلة فأجازه مظهر الدين بألف دينار.
1
ومن المؤكد أن تأليف الموالد أقدم من ذلك؛ فقد استعملت لفظة «مولد» بمعنى «تاريخ» منذ عهد بعيد، وللواقدي كتاب اسمه: «مولد الحسن والحسين». (2)
لا جدال في أن المسلمين اهتموا منذ عهد بعيد بتدوين أخبار الرسول، أما وضع القصص الخيالية عن مولده ونبوته وأزواجه وغزواته، فهو من عمل الصوفية، وهم الذين اتخذوا قصة مولده أحبولة يتصيدون بها أهواء الناس. والذي ينظر في تقاليد الصوفية يراهم أدخلوا المولد في صميم الحياة الدينية؛ أي جعلوه عنصرا أصيلا في الحفلات الشعبية، فتقرأ القصة في ربيع الأول وفقا للتقاليد الرسمية ، ثم تقرأ في كل وقت حين تخلق المناسبات، كحفلات التهاني وحفلات الأعراس، وقد صار الاحتفال بالمولد من الأعياد الرسمية في مصر بفضل الدعاية الصوفية.
ولم نستطع الوصول إلى معرفة أول من ألف في الموالد، فليكتف القارئ الآن بأن يعرف أن من أقدم ما عرفنا من هذا النوع كتاب «العروس»، وهو مولد ألفه ابن الجوزي المتوفى سنة 597ه، ورسالة ابن جابر الأندلسي المتوفى سنة 780ه، ورسالة الرعيني الغرناطي المتوفى سنة 779ه.
وفي دار الكتب المصرية نحو أربعين مولدا ألفت في عصور مختلفة، ولو استقصينا لعرفنا أن هذا النوع من التأليف كثر جدا؛ فلكل طريقة مولد، بل لكل شيخ مولد، وهي جميعا تتشابه في الغرض والأسلوب. (3)
ولننص على أن أكثر الموالد نظم في نثره نظما غنائيا ليصلح للترتيل والتغني والإنشاد، ولم يرج بين الجمهور إلا الموالد التي روعي فيها نظام الفواصل المسجوعة التي تجري مجرى القصيد في التزام القافية، ولنذكر لذلك شاهدين:
الشاهد الأول قول البرزنجي:
وظهر عند ولادته خوارق وغرائب غيبية؛
ناپیژندل شوی مخ