على حبيبك خير الخلق كلهم
بعد كل بيت من أبيات البردة، وذكروا أن الغزنوي كان يقرؤها في كل ليلة ليرى النبي في منامه، فلم تتيسر له الرؤيا، فشكا ذلك إلى شيخ كامل، فقال له: لعلك لا تراعي شرائطها! فقال: لا، بل أراعيها. فراقبه الشيخ ثم قال له: إنك لا تصلي بالصلاة التي كان يصلي بها الإمام البوصيري على النبي
صلى الله عليه وسلم ، وهي قوله: مولاي صل وسلم (البيت). قالوا: وحكمة اختياره هذا البيت دون غيره أنه رحمه الله لما أنشأ هذه القصيدة رأى النبي في المنام، فأنشدها بين يديه، فكان يتمايل طربا كتمايل الأغصان، فلما انتهى إلى قوله: «فمبلغ العلم فيه أنه بشر» لم يقدر على تكميل البيت، فقال له عليه الصلاة والسلام: اقرأ، فقال: إني لم أوفق للمصراع الثاني يا رسول الله. فقال له الرسول قل: «وأنه خير خلق الله كلهم»، فأدرج البوصيري هذا المصراع الذي قاله النبي في البيت المتقدم، وجعله صلاة مكررة بعد كل بيت حرصا على لفظ النبي عليه السلام.
وهذه المنامات تعليلها سهل، فحب البوصيري للرسول خلق منه قيثارة نبوية، وإيمان الصوفية بعظمة البوصيري ويمن قصيدته وجه أحلامهم إلى تصور الرسول في المنام بفضل الإكثار من تلاوة البردة مصحوبة بتلك الصلاة، والبردة في ذاتها لا تمكن كل إنسان من الكرامات، وإنما تنفعل النفس بما تؤمن به في صدق وإخلاص، فتتمثل الغرائب والأعاجيب، وكذلك كانت البردة عند بعض الناس مفتاحا للمثول بين يدي الرسول، ورؤيا النبي حق: عند الصوفية، وعند الفقهاء.
الفصل التاسع
عناصر البردة
(1)
تقع البردة في اثنين وثمانين ومائة بيت، فهي من القصائد الطوال، وأغلب الظن عندي أن البوصيري استأنس عند نظمها بميمية ابن الفارض، ودليل ذلك تشابه المطلعين، فإن مطلع قصيدة ابن الفارض:
هل نار ليلى بدت ليلا بذي سلم
أم بارق لاح في الزوراء فالعلم
ناپیژندل شوی مخ