وإن كان إنما كان لعلة النظر المتقدم، كما قد دللنا في صدر الكلام على أن درك الحواس فعل الإنسان إذا تقدم في سببه، فالعلم بالله وكتبه ورسله أجدر أن يكون فعله. إذ كان من أجل نظره علم، ومن جهة بحثه أدرك.
فهذه جمل دلائل هؤلاء القوم. ورئيسهم بشر بن المعتمر.
ثم هم بعد ذلك مختلفون في درك الحواس إلا ما اعتمد إدراكه بعينه وقصد إليه بالفتح والإرادة؛ لأن الفتح نفسه لو لم يكن معه قصد وإرادة ما كان فعل الفاتح. فكيف يجوز أن يكون الإدراك فعله من غير قصد.
ولو جاز أن يكون الفتح فعل الإنسان من غير أن يكون أراده وقصد إليه، ما كان بين فعل الإنسان وبين فعل غيره فرق؛ لأنه كان لا يجوز أن يكون ذهاب الحجر إذا لم يدفعه، ولم يقصد إليه، ولم يخطر له على بال، فعله. فكذلك الإدراك إذا لم يخطر على باله، ولم يقصد إليه، ولم يتعمده، لا يكون فعله.
فصل منه
وليس على المخبر بقصة خصمه والواصف لمذهب غيره، أن يجعل باطلهم حقا، وفاسدهم صحيحا، ولكن عليه أن يقول بقدر ما تحتمله النحلة، وتتسع له المقالة، وعليه أن لا يحكي عن خصمه ويخبر عن مخالفه إلا وأدنى منازله ألا يعجز عما بلغوه، ولا يغبى عما أدركوه.
مخ ۵۰