معقول او نا معقول په زموږ فکري میراث کې

زکي نجيب محمود d. 1414 AH
108

معقول او نا معقول په زموږ فکري میراث کې

المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري

ژانرونه

ولهذا كله حرض الغزالي الإنساني المفكر المستقل على الشك فيما يقوله الناس؛ حتى يتبين له صدقه عن يقين «فمن لم يشك لم ينظر، ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر بقي في العمى والضلال، نعوذ بالله من ذلك» (ورد في نهاية «ميزان العمل»). •••

ونعود إلى ما كنا بصدد الحديث فيه من الطريقة التي يجب أن يقام على منهاجها بناء العلم اليقيني، وذلك أن نبدأ بحقائق «أولية» - أعني حقائق تفرض نفسها على فطرة البديهة فرضا لا قبل لنا برده - ثم نستنتج النتائج من تلك الحقائق الأولية، فإذا نحن أمام سلسلة من الحقائق المتولد بعضها من بعض، وكلها يقين، لكن سؤالا هاما لا بد أن يطرح نفسه، وهو: متى تكون الحقيقة الأولية أولية؟ يقول الغزالي في «معيار العلم» إن الأولي يقال على وجهين: «أحدهما ما هو أولي في العقل؛ أي لا يحتاج في معرفته إلى وسط، كقولنا: الاثنان أكثر من الواحد.

والثاني أن يكون بحيث لا يمكن إيجاب المحمول أو سلبه، على معنى آخر أعم من الموضوع، فإذا قلنا: «الإنسان يمرض ويصح» لم يكن ذلك أوليا له بهذا المعنى ؛ إذ يقال على ما هو أعم منه وهو الحيوان، نعم هو للحيوان أولي؛ لأنه لا يقال على ما هو أعم منه، وهو الجسم.

وكذلك قبول الانتقال للحيوان ليس بأولي؛ إذ يقال على ما هو أعم منه، وهو الجسم، فإنه لو ارتفع الحيوان، بقي قبول الانتقال، ولو ارتفع الجسم لم يبق» (معيار العلم، تحقيق سليمان دنيا، ص250). وبعبارة أخرى نشرح بها ما يريده الغزالي، لمن لم يألف مثل هذه اللغة «المنطقية»، نقول: إن الحقيقة تكون أولية يقينية، يجوز لنا أن نبني عليها ما هو يقيني كذلك ، في إحدى حالتين؛ فإما هي حقيقة بديهية واضحة بذاتها لا تحتاج من العقل إلى برهان، كقولنا إن الكل أكبر من الجزء، وإما هي حكم حكمنا به على نوع ما، ولا يستطاع الحكم به على ما هو أعم من ذلك النوع، كأن نحكم على النوع الإنساني بأنه ذو نظم سياسية، وهو حكم لا يجوز أن نعلو به إلى ما هو أعم من الإنسان؛ أي إلى الحيوان؛ فعندئذ يكون مثل هذا الحكم أوليا. هذا هو ما يحدد به الغزالي شروط الحقيقة الأولية، التي هي أساس البناء العلمي اليقيني كائنا ما كانت مادة العلم الذي نقيم بناءه. ولست أرى المقام هنا يناسب النقد؛ لأن هذه الوجهة من النظر، التي تقيس النظر العلمي السليم بمعيار الفكر الرياضي القائم على الأوليات، قد شاعت خلال العصور الفلسفية كلها، ولكنها بطلت الآن ولم يعد يقول بها أحد من فلاسفة العلوم؛ فأقل ما يعترض به على مثل هذه النظرة، هو أن العلوم الطبيعية قائمة على أسس تختلف عما تقوم عليه العلوم الرياضية، وأن العلوم الطبيعية لا تنشد اليقين الرياضي، وأن الرياضة إنما اكتسبت يقينها من كون قضاياها تحليلية فقط، ولا تقول شيئا عن حقائق العالم، إلخ إلخ؛ أقول إنني لا أرى المقام هنا يناسب النقد المستفيض، ويكفيني أن الغزالي قد دعا بهذه القوة إلى النظر العقلي، فهو إلى هذا الحد يمثل لنا تراثا خالدا.

فلقد وردت فقرة في كتاب الغزالي «محك النظر» يبين فيها كيف يحدث أن يضل الفكر طريق الصواب، وكيف ينبغي للفكر أن يسير إلى النتائج المأمونة، تكفي وحدها ليقال عن الرجل إنه منهجي النظرة من الطراز الأول. ولولا أنه - كسائر الفلاسفة الأقدمين ومن أهل العصور الوسطى - كان يظن أن البداية الأولية الحدسية التي تضمن لنا أن نسير على الطريق السوي هي حقائق، كل حقيقة منها تكون قضية كاملة، قد لا تكون في واقع أمرها بسيطة وواضحة بذاتها، بل قد تكون مستدلة من مقدمات مضمرة، حتى جاء ديكارت بعد ذلك فجعل البداية المضمونة حدوسا مباشرة، كل منها يقتصر على تصور عقلي واحد (لا قضية كاملة التكوين)، أقول إنه لولا هذا الفرق لما وجدنا قط ما يميز المنهج عند الغزالي عنه عند ديكارت، وأما الفقرة التي أشرت إليها، فهي قوله: «إن الأغاليط في النظريات كلها ثارت من إهمال الجليات (أي الحقائق الأولية الواضحة بذاتها) والتسامح فيها، ولو أخذت الجليات وحررت (أي وحققت)، ثم تطرق منها الناظر إلى ما بعدها تدريجا حتى لا يخفى (أي حتى تظهر النتائج التي كانت كامنة في تلك الحقائق الأولية) قليلا قليلا، فيتضح الشيء بما قبله على القرب؛ لطاحت المغالطات، ولكن عادة النظار (أي المفكرين) الهجوم على غمرة الإشكال، وطلب الأمر الخفي البعيد عن الأوائل الجلية، بعد أن تخللت بينه وبين الأوائل درجات كثيرة؛ فلا تمتد شهادة الجلي، ولا يقوى الذهن على الترقي في المراقي الكثيرة دفعة، فتزل الأقدام، وتعتاص المطالب، وتنحط العقول؛ ولذلك ضل أكثر النظار وأضلوا، إلا عصابة الحق الذين هداهم الله تعالى بنوره وأرشدهم إلى طريقه.» وإذا ترجمنا للقارئ هذه الفقرة الفنية، بعبارة مختصرة قريبة إلى اللغة التي يألفها، قلنا: إننا نضمن صدق النتائج لو أننا تحققنا أولا من أن ما قدمناه بادئ ذي بدء هو من الحقائق البديهية التي لا تحتاج إلى برهان، ثم أخذنا بعد ذلك نسير على مهل، خطوة خطوة، لنستخرج من تلك البديهيات ما يلزم عنها، ثم عن هذا بدوره ما يلزم عنه، وهلم جرا، كان واضحا لنا عندئذ كيف تستند كل خطوة إلى ما قبلها مباشرة، حتى ننتهي إلى البديهيات التي لا تحتاج إلى سند؛ وأما الخطأ فينشأ حين نتعجل ونقفز من البديهيات لا إلى نتائجها القريبة، بل إلى نتائجها البعيدة دفعة واحدة، فلا يكون في مستطاعنا رؤية العلاقة بين بداية السير ونهايته؛ ومن ثم لا ندرك مواضع الخطأ عند الوقوع فيه.

54

على أن «العقل» عند هذا العقلاني العظيم، لم يكن له معنى واحد، بل فهم الكلمة على أربعة معان؛ اثنان منها منبثقان من الفطرة، والآخران نتيجة الاكتساب؛ فلقد تناول الغزالي فكرة «العقل» في مؤلفه الضخم «إحياء علوم الدين» (ج1)، وأخذ يبين منزلته في العلم قبل أن يفرعه إلى معان أربعة، فقال عنه إنه «منبع العلم ومطلعه وأساسه»، وإن العلم يجري منه «مجرى الثمرة من الشجرة، والنور من الشمس، والرؤية من العين»؛ ولقد سماه الله تعالى «نورا» في قوله

الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة ... ، كما سمى العلم المستفاد من العقل روحا ووحيا في قوله تعالى:

وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ، وحيثما جاء في القرآن ذكر النور والظلمة، كان المراد هو العلم والجهل، كقوله تعالى:

يخرجهم من الظلمات إلى النور . واستشهد الغزالي بعد ذلك على شرف العقل بقول رسول الله: «أول ما خلق الله العقل.» ثم استشهد بقول عمر بن الخطاب عن رسول الله: «ما اكتسب رجل مثل فضل عقل يهدي صاحبه إلى هدى ويرده عن ردى، وما تم إيمان عبد ولا استقام دينه حتى يكمل عقله.»

ناپیژندل شوی مخ