معقول او نا معقول په زموږ فکري میراث کې

زکي نجيب محمود d. 1414 AH
107

معقول او نا معقول په زموږ فکري میراث کې

المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري

ژانرونه

53

شغل الغزالي بفكرة «اليقين» - على نحو ما رأينا ديكارت بعد ذلك - شأن كثيرين من رجال الفلسفة، قدامى ومحدثين، حين أرادوا أن يقيموا بناء الفكر العلمي على أسس لا يطرأ عليها خلل. وكانت الطريقة السائدة بين الفلاسفة أجمعين، والغزالي بينهم، أن يتخذوا من منهج العلم الرياضي نموذجا. وما دام العلم الرياضي قائما على استخراج النتائج اليقينية من مسلمات مفروض فيها أنها يقينية أيضا، بحكم كونها حقائق تراها البديهة رؤية مباشرة، إذن فقد انجلى الطريق أمامنا، وهو أن نبدأ دائما من حقائق أولية بديهية، ثم نستخرج منها ما يلزم عنها؛ وبذلك نضمن اليقين ابتداء ووسطا وانتهاء، وذلك ما حاوله الغزالي، فها هو ذا في كتابه «معيار العلم» يعقد فصلا في بيان اليقين، فماذا قال؟

قال: «البرهان الحقيقي ما يفيد شيئا لا يتصور تغيره، ويكون ذلك بحسب مقدمات البرهان، فإنها تكون يقينية أبدية لا تستحيل ولا تتغير أبدا، وأعني بذلك أن الشيء لا يتغير وإن غفل إنسان عنه، كقولنا: الكل أعظم من الجزء، والأشياء المساوية لشيء واحد متساوية، وأمثالها؛ فالنتيجة الحاصلة منها أيضا تكون يقينية.»

والذي تجدر ملاحظته لأهميته، هو أن النتيجة العلمية ما دامت قد أقيمت على مثل هذا البرهان اليقيني، فإنها تكون معصومة من الخطأ عصمة كاملة؛ فإذا عرفنا حقيقة ما، بنيت على أسس اليقين العلمي، استحال علينا بعد ذلك أن نصدق أحدا يزعم لنا خلافها مهما كانت منزلته ومهما كان مصدره، «بل لو نقل عن نبي نقيضه، فينبغي أن يقطع بكذب الناقل، أو بتأويل اللفظ المسموع عنه.» وأما أن نحتمل صدق الرواية برغم أنها مناقضة لما أثبتناه بالبرهان اليقيني على النحو الذي بيناه، فأمر لا يجوز وروده. ويكمل الغزالي عبارته السالفة بقوله إن الحكاية المروية والمناقضة للبرهان العلمي، والتي يزعم قائلها أنه يرويها عن نبي، إذا لم يكن تأويلها إلى ما يقبله العقل ممكنا «فشك في نبوة من حكي عنه بخلاف ما عقلت، إن كان ما عقلته يقينا؛ فإن شككت في صدقه لم يكن يقينك تاما.»

فماذا يريد العربي في عصرنا أساسا أقوى من هذا الأساس ليكون به علمي المنهج والنظر؟ إن أكثر الغلط - كما يقول الغزالي - ينشأ من توهمنا بأننا نقيم نتائجنا على مقدمات يقينية، مع أن مقدماتنا قد لا تزيد على كونها أقوالا مشهورة ومحمودة، فنظن بها اليقين وما هي كذلك!

وللغزالي أقوال كثيرة منثورة في كتبه، تدور حول هذه النقطة المنهجية الهامة، التي مؤداها أن نتناول الفكرة المعينة - حين نكون في ميدان البحث العلمي النظري - في وزنها الحقيقي بالنسبة إلى مقدماتها التي أنتجتها، بغض النظر عن موقعها عند الناس وعن مكانة قائليها. ولقد تنبه ديكارت وبيكون معا، بعد الغزالي بخمسة قرون، إلى خطورة هذا الأساس المنهجي في التفكير؛ لأنهما جاءا في أعقاب قرون دينية، هي القرون الوسطى، حيث كانت الحجة التي تقام على فكرة ما هي أنها منسوبة لفلان الفلاني من القدماء، أو مأخوذة من الكتاب الفلاني الذي هو موضع ثقة وتصديق؛ فقال الرجلان - ديكارت في فرنسا، وبيكون في إنجلترا - إن صدق الفكرة لا يقام على قائلها مهما يكن شأنه، وكذلك قال الغزالي قبلهما في أكثر من موضع من كتبه الكثيرة.

يقول الغزالي في «ميزان العمل»: «من الناس من يقولون الرأي عن هوى، ثم يتعللون بأنه مذهب فيلسوف معروف كأرسطو وأفلاطون، والأغلب أن من يسمع لهم لا يطالبهم ببرهان، لموافقة قولهم لطبعه.» ويضيف الغزالي قوله إنه لمن العجب أن السامع للخبر المنقول له على هذا النحو، لا يطالب الناقل ببرهان أكثر من نسبة الخبر إلى صاحبه، مع أنه لو كان يحدث عن أمر يتعلق به خسران درهم لكان لا يصدقه إلا ببرهان.

ولقد ختم الغزالي كتابه «ميزان العمل» بهذه العبارة المنهجية الرائعة، التي يؤكد بها ضرورة أن يعتمد المرء على البرهان العقلي وحده، دون أن يستند في انضمامه إلى أصحاب مذهب معين إلى مجرد التبعية لسواه، يقول الغزالي: «... ولو ذكر ذاكر مذهبه، فما منفعتك فيه ومذهب غيره يخالفه، وليس مع واحد منهم معجزة يترجح بها جانبه؟ فجانب

صورة أعمى، تقلد قائدا يرشدك إلى طريق، وحولك ألف مثل قائدك، ينادون عليك بأنه أهلكك وأضلك عن سواء السبيل، فلا خلاص إلا في الاستقلال.»

وفي نفس المعنى قال الغزالي في «المنقذ من الضلال»: «فمهما نسبت الكلام وأسندته إلى قائل حسن فيه اعتقادهم، قبلوه وإن كان باطلا، وإن أسندته إلى من ساء فيه اعتقادهم، ردوه وإن كان حقا، فأبدا يعرفون الحق بالرجال ولا يعرفون الرجال بالحق، وهو غاية الضلال.»

ناپیژندل شوی مخ