226

ابو العلاء معری د زمانو توپان

أبو العلاء المعري زوبعة الدهور

ژانرونه

وعكف على علومه فدرسها وتبحر في علمي الشرع واللسان وتضلع من مذهب «التوحيد» تضلعا بذ فيه السابق واللاحق، وشرحه شرحا وافيا محللا مشكلاته وغوامضه، ثم عن له إصلاح النظام الاجتماعي الإقطاعي المخالف للمذهب فنادى بالمساواة المطلقة بين الناس وأن لا ميزة إلا بالعلم والعمل ، فثار به العامة ونقم عليه الخاصة، فهاجر إلى دمشق كعبة العلم ومحج العلماء في عصره. وهنالك تفرغ بكليته للعلم والتعليم، وناظر الأيمة والعلماء فغلبهم وبهرهم بسعة علمه وتقواه وفضله حتى لقب بالسيد وعرف بذلك. مكث في دمشق بضع سنوات نبه فيها ذكره، وأصبحت داره محجة للعلماء والكبراء، وتجاوزت شهرته دمشق إلى لبنان، فعقد أمراء البلاد وكبراؤها وشيوخها اجتماعا أقروا فيه إيفاد نخبة منهم إلى دمشق ليتوسلوا إلى أميرهم المصلح بالعودة إليهم خاضعين لما يفرضه عليهم من إصلاح، فعاد الأمير السيد إلى بلاده المحتاجة إلى علمه وفضله فاحتفل بمقدمه السكان أيما احتفال، وتقاطرت الوفود من سائر الطبقات إلى داره في عبيه، ولازمه الكثيرون طلبا للعلم، فزهد في الدنيا على بسطة عيشه وسعة يده وتقشف تقشفا عظيما. كان يقضي نهاره صائما معلما وليله مصليا مجتهدا. كان جوادا كريما على زائريه ومريديه، تحفل موائده بطيبات المآكل ولكنه حرمها على نفسه الطاهرة.

وأوجب على أتباعه معاملة الناس حسب أعمالهم الخيرية؛ فأهل التقوى والعلم مقدمون على سواهم، ضاربا عرض الحائط بالأنساب والميزات الاجتماعية.

فرض العلم على الجنسين الذكور والإناث، وحدد النسل، وأباح الزواج للنسل المحدد فقط. وما خرج عنه يحسب ضربا من الزنى. وحرم على الفقير المعدم الزواج رحمة بالأولاد ورفعا للمستوى. وأوجب على الآباء حين يوصون بتراثهم لأبنائهم أن يفضلوا الخيرين من الأبناء على سواهم وأن يحرموا الأشرار منها. وأجاز للأب الوصية لمن شاء من إخوانه الأتقياء إذا لم يسعد بأبناء خيرين، ثم فرض الصدقات وكان كل عام يملأ خرجا من المال يطوف به القرى موزعا على المحتاجين والمعدمين آخذا من الأغنياء مبالغ معينة لأجل الصدقة فيعود إلى عبيه وخرجه مملوء كما كان.

كان يقول للناس: «من كان محتاجا فليأخذ، ومن كان مستطيعا فليضع.» ويدير ظهره لكيلا يرى من أخذ ومن أعطى. ومن كلامه المأثور في هذا الصدد: «لو أن الغني بذل، والفقير قنع، لم يكن في البلاد فقير.»

فجع الأمير السيد بولده الوحيد الأمير عبد الخالق ليلة عرسه؛ رفسته فرسه فقضت عليه. ولما استبطأ الوالد عودة ولده نزل إلى الإسطبل فرأى وحيده ميتا فعاد وأمر بنصب الموائد للمدعوين، فبسطت وأكلوا وقاموا بواجب التهنئة والتبريك بالزفاف، فأجابهم السيد قائلا: «آجركم الله بالعريس.» وحظر عليهم الندب والبكاء والنواح لأنه مخالف للدين؛ فما الأبناء إلا ودائع عند الآباء وكمستودع أمين؛ فمتى شاء الله استرد وديعته، وعلينا تسليمها بطيبة نفس وسرور. إن أرواحنا مودعة في هذه الأجساد المنحلة، يأخذها الله متى شاء.

أيها الناس، لا فوت من الموت فلكم عند الله من الخير ما تكسبون ومن الشر ما تفعلون، ونحن وإياكم في قبضة ملك الممالك، فطوبى لمن قبل أوامر الله وأطاعه، وجعل مدته من الدهر ساعة.

أيها الناظرون إلي، أتظنون أن صبري على فقد ولدي جهالة، أو ترك تعرضي للقضاء ضلالة، أو أني نسيت علمه وفضله، وطاعته وصبره؟،

1

ودفن وحيده ولم يذرف عليه عبرة واحدة.

كان الأمير السيد غنيا واسع الإقطاعات يملك قرى عديدة وقفها جميعها على أعمال البر. وعم إحسانه جميع مواطنيه من سائر الطوائف فجعل لعائلة سركيس المسيحية في عبيه غلالا معينة كل عام، لهم ولذريتهم من بعدهم ما دامت أوقافه. ووصيته المشهورة تنص على ذلك نصا صريحا.

ناپیژندل شوی مخ