وهذه الأدلة حجة على أبي حنيفة في قوله: "إن {بسم الله الرحمن الرحيم} ليست من القرآن إلا في سورة النمل"؛ لأن هذه الأدلة دالة على أنها آية من فاتحة الكتاب، وأبو حنيفة يزعم أنها ليست من القرآن رأسا إلا في سورة النمل. وقد خالفه بعض أصحابه في ذلك، فأثبتها آية في كل موضع ذكرت فيه، قال: ولكن ليست من السورة.
والحجة على أنها آية في كل موضع ذكرت فيه من القرآن إجماع الصحابة على إثباتها في المصحف بخطه أوائل السور سوى "براءة" مع المبالغة في تجريد القرآن عن الأعشار وتراجم السور والتعوذ؛ فلو لم تكن قرآنا لما أجازوا ذلك لئلا يحمل على اعتقاد ما ليس بقرآن قرآنا.
وأيضا: هي آية من القرآن في سورة النمل قطعا، ثم إنا نراها مكررة بخط القرآن فوجب أن تكون منه، كما أنا لما رأينا قوله تعالى: {فبأي آلاء ربكما تكذبان} وقوله: {ويل يومئذ للمكذبين} مكررا في القرآن بخط واحد، وبصورة واحدة.
قلنا: إن الكل من القرآن. فإن قيل: لعلها ثبتت للفصل. أجيب: بأنه يلزم عليه اعتقاد ما ليس بقرآن قرآنا، وإلا ثبتت في أول "براءة" ولم تثبت في أول "الفاتحة".
فإن قيل: القرآن إنما يثبت بالتواتر. أجيب: بأن إثباتها في المصحف بخطه من غير نكير في معنى التواتر. وأيضا: قد يثبت التواتر عند قوم دون آخرين.
فإن قلت: لو كانت قرآنا لكفر جاحدها.
أجيب: بأنها لو لم تكن قرآنا لكفر مثبتها؛ وأما "براءة" فليست البسملة آية منها بإجماع، وسيأتي للبسملة أحكام في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى.
مخ ۲۰