وترجع هذه المسائل وشبهها إلى قاعدة تعارض الأصل والظاهر، فإن الأصل الطهارة، والظاهر النجاسة، وقد تعارضت الأدلة في ذلك، وكل من القائلين بالطهارة والنجاسة استدلوا بدلائل من السنة قد بسطت في مواضعها". قال: "وقد يقع الاشتباه في الحكم لكون الفرع مترددا بين أصول تجتذبه، كتحريم الرجل زوجته؛ فإن هذا متردد بين تحريم الظهار الذي ترفعه الكفارة الكبرى، وبين الواحدة بانقضاء عدتها الذي تباح معه الزوجة بدون زوج وإصابة ، وبين تحريم الرجل عليه ما أحله الله له من الطعام والشراب الذي لا يحرمه؛ وإنما يوجب الكفارة الصغرى أو لا يوجب شيئا على الاختلاف في ذلك، فمن هنا كثر الاختلاف في هذه المسألة زمن الصحابة فمن بعدهم والله أعلم". انتهى كلام ابن رجب.
الفصل الثالث: في صفة أصحاب التخريج والتوجيه من المفتين وتفاوت درجاتهم باختلاف الأعصار...
نقل عن ابن الصلاح أن المفتين قسمان: مستقل، وغير مستقل.
فغير المستقل: هو المنتسب إلى أئمة المذاهب المتبوعة، وله أربعة أحوال:
أحدها: أن لا يكون مقلدا لإمامه لا في المذهب ولا في دليله، لاتصافه بصفة المستقل؛ وإنما ينسب إليه لسلوك طريقته في الاجتهاد. ودعوى انتفاء التقليد عنهم مطلقا لا يستقيم، ولا يلائم المعلوم من حالهم أو حال أكثرهم، ثم فتوى المفتي في هذه الحالة كفتوى المستقل في العمل بها، والاعتداد بها في الإجماع والخلاف، قال الأذرعي: وهذا شيء قد انطوى من زمان.
مخ ۱۱