كان من أنكر قولها، وأعظم جهلها؛ ما قالت به في الله سبحانه، ورمت به بجهلها رسوله، فزعمت لعظيم غفلتها وغامر(1) رقدتها؛ أن دينها الذي به تعبدها ربها كتاب ناطق مضيء، وسنة جاء به من نفسه النبي، شرعها من ذاته، وتخيرها للعباد بنظره، لم يأمر بها الرحمن، ولم تنزل عليه في آي القرآن، فزعمت بذلك من قولها، ولزمها في أصل مذهبها، وحاق بها في جميع قولها؛ أنها(2) زعمت فيما ذكرت وقالت: أن الله سبحانه وكل نبيه صلى الله عليه وآله وسلم في الدين إلى نفسه، ولم يشرع له كلما يحتاج إليه من فرضه، كأن لم تسمع الله سبحانه يقول، فيما نزل على نبيه من القول: {ما فرطنا في الكتاب من شيء} [الأنعام:38]، ويقول سبحانه: {ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين} [النحل:89]، وكأن لم يسمعوا قوله: {أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون} [العنكبوت: 51]، فأخبر سبحانه بقوله: {أولم يكفهم} أن فيما نزل من تبيانه، ونوره وبرهانه؛ كفاية لهم في كل ما افترض عليهم، ولو كان ترك شيئا مما يحتاجون إليه لم ينزله على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم في القرآن وعلى لسان جبريل؛ لم يقل: أولم يكفهم، فدل بما شهد به من الكفاية لهم على أنه لم يكل نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم؛ إلى استخراج شيء مما افترض عليهم وعليه، وإنه لم يترك شيئا من فرائضه، ولا شرائع دينه؛ إلا وقد أوحى به إلى رسوله وحيا، ونزل عليه به نورا وهدى، فلم يكف هذه الأمة؛ ما نزل الله فيما ذكرنا من الحجة؛ حتى قالت: إن كل فرع مفرع مما فرعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو منه اختيارا وتمييزا من نفسه، وأن ذلك ليس هو من ربه.
مخ ۶۵۰