103

ولكن الأستاذ عطية أجاب: أحب أن أعرف أولا ...

ولم يتم جملته لأنه سمع من آخر الحارة صوتا يناديه بعبارة مألوفة عنده: «عطية بيه يدوم عزه!»

وفي لحظة كان كوكو المهرج يرقص ويغني وهو واضع ذراعه اليسرى حول كتفي الأستاذ عطية. فضحك الأستاذ ووضع طربوشه على رأسه ثم جعل يده على كتف المهرج وأخذا يتراقصان ويغنيان معا.

ودهش جابر بك من هذه المفاجأة ولم يملك نفسه من القهقهة وهو يصيح بصديقه أن يوقف تلك المهزلة ويسرع إلى الركوب معه.

ولكن الأستاذ عطية تقدم نحو نافذة السيارة قائلا لجابر بك: أقدم لك صديقي كوكو!

وكان منظرا يشبه في عيني جابر بك منظر اثنين فرا من مستشفى المجاذيب، فاستسلم للأمر الواقع وأوقف دوران محرك السيارة وانتظر حتى يفرغ صاحبه الغريب الأطوار من بدوته.

وكان الأستاذ عطية في ملابس أنيقة من قمة طربوشه إلى كعب حذائه اللامع. على حين كان كوكو حافي القدمين وليس عليه سوى سروال قصير من القطن الأبيض، وأعلى جسمه عار إلا من خطوط ملونة دهن بها جلده. وكان شعره الخشن الأشعت يعلوه طرطور من ورق ملون بين أحمر وأصفر وأخضر، وله ذؤابات من قصاصات الورق معلقة في خيوط وترف على كتفيه مع كل حركة من حركاته.

ولم ينس كوكو فوق هذا أن يرشق وردة كبيرة حمراء من الورق الملون في شعره الغزير فوق أذنه اليمنى، وكان بين حين وآخر يرفع يده إليها في تأنق ويحرك رأسه تيها وهو يرقص. وكانت حركات الراقصين رشيقة وغناؤهما مطربا، حتى إن جابر بك لم يتمالك أن ينسى حنقه ويكف عن الصياح منتظرا حتى يفرغا من تلقاء نفسيهما.

وكان أطفال الحارة قد سمعوا الضجة وأتوا مسرعين، فوقفوا في حلقة واسعة حول السيارة والراقصين وشاركوا في الفكاهة والضحك والزياط والتصفيق. وبعد أن مضت دقائق طويلة، توقف الرقص ورفع الأستاذ عطية يده عن كتفي صاحبه وتقدم إلى نافذة السيارة فخاطب صديقه جابر قائلا: أليس معك نقود صغيرة يا سعادة البك؟

فأخرج جابر بك ما في جيبه من القطع الصغيرة مستسلما وقدمها إليه في صمت، فألقاها الأستاذ عطية في كف المهرج الذي انطلق في رقصة جديدة تصحبها أغنية متجها نحو أقصى الحارة، وأسرع الأطفال يجرون وراءه ويصفقون ويضحكون.

ناپیژندل شوی مخ