مع العرب: په تاریخ او افسانه کې
مع العرب: في التاريخ والأسطورة
ژانرونه
قال الراوي : وكانت الدنيا صغيرة يومذاك، وكان شداد ملكها جميعها، فأنفذ إلى المعادن كلها من استخرج له الذهب، وغصب الحلي والنفائس من أيدي الناس، ونبش الكنوز المدفونة، ثم أرسل ألفا من جبابرة الفرسان، مع كل فارس ألف رجل، فضربوا في الأرض حتى وصلوا إلى جبل عدن فوجدوا بقعة زكية التربة، طيبة الهواء، طلقة المشارف، فخطوا مدينة مربعة كل جانب منها عشرة فراسخ، واحتفروا أساسا عميقا رصوه بحجارة الجزع اليماني حتى ظهر على وجه الأرض، ثم شيدوا سورا رفعوه خمسمائة ذراع وغشوه من خارج بصفائح الفضة المموهة بالذهب، فصار إذا ضربته الشمس اشتد وهجه وبريقه، فلم تتبين العين منه إلا كتلة من ضياء تشع في البعد.
ثم أقيمت على السور ألف منارة للحراسة، وبنيت القصور الشامخة في حيز السور، فبلغت مائة ألف قصر للرؤساء والعظماء، وجعلت الأعمدة من الزبرجد والياقوت، واشتقت المجاري للماء في كل وجه من المدينة، وغرست الأشجار المصوغة من نفائس المعادن، ونصبت عليها الطيور من اللؤلؤ والجوهر تفتح مناقيرها وتغرد بتدبير عجيب، وذرذرت في مجاري الماء حجارة كريمة تزيده تألقا وصفاء.
وأمر شداد بنهب الفرش والآنية من الدنيا لمدينته، فلم يبق ستار ولا بساط ولا إناء قيم إلا نهب من منازل الناس.
واكتملت «إرم ذات العماد» أو الجنة التي بناها شداد بن عاد يباهي بها جنة الله!
وركب شداد ذات يوم في موكب مهيب من الرؤساء والعظماء، وسار يريد النقلة إلى جنته.
فما أوشك أن يبلغها حتى خيل إليه أن صوتا يناديه من الآفاق، فيقول: ليست الجنة بجنة إلا مع السعادة، يا شداد، وليست السعادة بمستحيلة على الناس في الأرض، ولكنها طيبة غريبة من الطيبات، كلما كثر ذائقوها زكت وغزرت مادتها، وقد شئت أن تسعد وحدك أنت ورؤساؤك وعظماؤك، فبنيت لك هذه الجنة ونهبت الدنيا ونكلت بها، ولكنك ستموت ولم تذق السعادة، ستكون مدينتك سرابا يتلألأ من بعيد، ويخفى على الوافد، كالسعادة التي يطلبها نفر لأنفسهم بشقاء الناس، فينغصها عليهم شقاء غيرهم، إن الكأس التي يجرعها المرتوي تنسكب في صدره مرة للحرقة التي يجدها صدر الظمآن، وأن القيد الذي يغل العبد يغل السيد الذي لا بد له من أن يسهر على سلامة قيد عبده، رويدك يا شداد، جنتك هي الدنيا بأسرها، أو هي لن تكون جنة، وسكانها هم الناس كلهم أو هي لن يكون لها سكان، والسعادة لأهل الأرض جميعا، أو لا سعادة لأحد!
أصغى شداد إلى الصوت مليا وأصغى الموكب، وقال شداد: شد ما يذكرني هذا الكلام بهود، وشاء أن يستخف، ولكن الرهبة زحفت إلى نفسه واتصلت بأصحابه في الموكب، وكأن الآفاق تفجرت برعود وصواعق، فخر شداد ومن معه صرعى هالكين.
ولبثت مدينة إرم ذات العماد خبرا عن جنة أرضية، أراد أن يظفر فيها الرؤساء والعظماء بالسعادة على حساب الناس، فخفيت ولم تظهر إلا كما يظهر السراب، ولن تظهر إلا حين تصبح هي الدنيا كلها، ويدخلها الناس كلهم.
قال الراوي: ولكن عبد الله بن قلابة الأنصاري شردت له إبل في اليمن فخرج ينشدها، فعثر على إرم ذات العماد ودخلها، فوجدها خاوية، فما استطاع أن يمكث فيها إلا ريثما يلتقط بعض لؤلؤها المنثور، وحمل اللؤلؤ فأراه للخليفة: عمر بن الخطاب، أو معاوية.
فهذا الإنسان دخل وحده الجنة الأرضية، ولكنه خشي فراغها وصمتها وكآبتها، فالتقط شيئا منها وغادرها على عجل.
ناپیژندل شوی مخ