قالوا: وقد كان قال لذريق لوزرائه : أريد فتح هذا الباب، قالوا: بل تلقي عليه قفلا كما فعل آباؤك، فأبى، فقالوا: قدر أن يكون فيه مال قدره لنا، ونحن نجمعه لك، فأبى، وكان مهيبا، ففتحه فلم ير فيه إلا مائدة سليمان بن داود -عليه السلام- وتابوتا مقفلا ففتحه، فوجد فيه رقا وفي جانب التابوت صورة فرسان العرب بأصباغ، فأمر بنشر ذلك الرق فإذا فيه: إذا فتح هذا البيت والتابوت المقفلات بالحكمة دخل القوم الذين صورهم في التابوت جزيرة الأندلس، وذهب ملك اليونان، ودرست حكمتهم، فندم لذريق، وتحقق ذلك، ثم سمع بوصول طارق بن زياد فأمر بلقائه مقدما له، يقال له: تدمير، وإليه تنسب بلاد تدمير بالأندلس، فلما نزل طارق من جبل هنالك بالجيش كتب تدمير إلى لذريق، فكان لذريق مشتغلا بحرب خوارج خرجوا عليه في نواحي بلدته، وكان في كتاب تدمير إلى لذريق: أنه نزل بأرضنا قوم لا ندري أمن السماء هم، أم من الأرض؟ فوصل لذريق في سبعين ألف فارس، ومعه العجل تحمل الأموال والمتاع، وركب سريرا بين دابتين، عليه قبة مكللة بالجواهر، فلما بلغ طارقا دنوه خطب أصحابه، وحثهم على الجهاد، ووعدهم أنه يحمل على لذريق، فإن هلك قبل وصوله إليه فيخلعوه لذلك، وكان لذريق قد نزل بأرض وسيعة، فأقبل طارق وأصحابه عليهم الزرد، وفوق رؤوسهم العمائم والبيض وبأيدهم القسي العربية، قد تقلدوا السيوف، واعتقلوا الرماح، فأقسم أنهم الصور التي رآها في بيت الحكمة في بلده، فازدادت روعته، وحمل طارق وأصحابه، وضرب لذريق بالسيف فقتله على سريره، ولم تقف هزيمة اليونان على بلد، وكانوا يسلمون بلدا بلدا، وغنم المسلمون أرضهم، وحمل إلى الوليد بن عبد الملك وهو الخليفة يؤمئذ مائدة سليمان بن داود[عليهما السلام] مصنوعة من فضة وذهب، وعليها طوق لؤلؤ، وطوق ياقوت، وطوق زمرد ما يحملها بغل قوي إلا تفسخت قوائمه، وتيجان ملوك اليونان مكللة بالجواهر، وثلاثون ألف فارس من الرق.
قلت: فهذا طرف مختصر من أخبار اليونان، وبه يعلم أنهم كانوا قبل الفرس كما أشار إليه السيد صارم الدين في المنظومة.
مخ ۱۴۳