قال: نعم، أيها الملك، عمدت إلى الضياع، وأقطعتها الخدم وأهل البطالة، فعمدوا إلى ما تعجل من غلاتها فاستعجلوا المنفعة، وتركوا العمارة، والنظر في العواقب، وما يصلح للضياع، وسومحوا في الخراج لقربهم من الملك، ووقع الحيف على الرعية، وعمال الأرض، فأجلوا عن ضياعهم، وقلت الأموال، وهلكت الجنود والرعية، وطمع في ملك فارس من طمع من الملوك والأمم لعلمهم بانقطاع المواد التي يستقيم بها دعائم الملك، فلما سمع الملك ذلك أقام في موضعه ثلاثة أيام، فأحضروا الوزراء، والكتاب، وأرباب الدواوين، فانتزعت الضياع من أيدي الخاصة والحاشية وردت إلى أربابها، وحملوا على رسومهم السالفة، وأخذوا بالعمارة، وقوي من ضعف منهم وعمرت البلاد وأخصبت وكثرت الأموال عند الجباة، وقويت الجنود، وانقطعت مواد الأعداء، وأقبل الملك يباشر الأعمال بنفسه، فحسنت وانتظم ملكه حتى كانت أيامه تدعى بعيد الأعياد لما عم الناس من الخصب، وشملهم من العدل، ومن مشاهير ملوك الفرس بهرام بن يزدجرد، وكان نشؤه مع العرب، وكان يقول الشعر بالعربية، ويتكلم بلغات كثيرة، وكان على خاتمه مكتوب: بالأفعال تعظم الأخطار، ومما حفظ من شعره يوم ظفر بخاقان حين أخذه أسيرا ثم قتله:
أقول له لما فضضت جموعه
كأنك لم تسمع بصولات بهرام
وإني حامي ملك فارس كلها
وما خير ملك لا يكون له حامي
ومن ذلك قوله:
لقد علم الأنام بكل أرض
بأنهم قد اضحوا لي عبيدا
ملكت ملوكهم وقهرت منهم
عزيزهم المسود والمسودا
وكنت إذ تشاوش ملك أرض
عبئت له الكتائب والجنودا
مخ ۱۳۵