207

ما بعد الايام

ما بعد الأيام

ژانرونه

لقد آمن هو بهذا الميثاق، وقبل أن تحرر وتعلن نصوصه كان قد كتب نصوصا مشابهة في خطاب الكتاب المصريين إلى نادي القلم الدولي إعلانا لموقفهم أثناء الحرب العالمية الثانية، ولرؤيتهم لعالم ما بعد تلك الحرب.

ولكنه قد شك دائما في قدرة الدول على أن تعيش بهذا الميثاق وطبقا لأحكامه، وأدرك دائما أن القوة تغري بالعدوان فلا يلد العنف إلا العنف، ولا بد أن تمضي سنوات وسنوات، وأن تقع الكوارث بعد الكوارث حتى تبلغ الإنسانية مرحلة الرشاد. •••

كنت أجلس في مقعدي بالجمعية العامة للأمم المتحدة عندما أقبل الأستاذ عمرو موسى «السفير الآن» ليخبرني أن الأمم المتحدة قد اختارت طه حسين بين العشرة الذين ستمنحهم المنظمة الدولية جائزة حقوق الإنسان ذلك العام، وأن رئيس الجمعية العامة سيبرق إليه يهنئه بالجائزة ويرجوه الحضور إلى نيويورك في شهر ديسمبر (1793) ليتسلمها بنفسه.

وقد وصلت البرقية، فقرأتها السيدة سوزان عليه وهو على وشك الرحيل، وكانت ابتسامته الخفيفة هي آخر حركة له قبل أن يلبي نداء مولاه. •••

وفي رامتان، في الدار التي خلت من صاحبها، استقبلت الأستاذ «يوسف السباعي» وزير الثقافة و«الدكتور صوفي أبو طالب» وكيل جامعة القاهرة. منذ ذاك كان «يوسف السباعي» يرى أن يبدأ تشييع جنازة طه حسين من جامع عمر مكرم؛ حيث توجد الجماهير التي يمكن أن تشارك في تشييع الجنازة، ولكني كنت أفضل أن يبدأ تشييع جنازة طه حسين من بيته الذي أحبه، من جامعة القاهرة. •••

ويتجمع المشيعون في قاعة الاحتفالات الكبرى في جامعة القاهرة، فتمتلئ بجموعهم فليس فيها - كما يقال - موضع لقدم، ويتحرك موكب الجنازة يتقدمه نائبا رئيس الجمهورية السيد حسين الشافعي والدكتور محمود فوزي، ومؤنس طه حسين الذي عاد من باريس رغم صعوبة المواصلات، وإلى جانبهم ومن خلفهم رجال الدولة وممثلو الدول الأجنبية وأساتذة الجامعات المصريون وغيرهم، ورجال القلم والإعلام، والطلاب من تلاميذه ومريديه.

ولا يكاد الموكب يخرج من حرم الجامعة حتى تنضم إليه جماهير الشعب، يعبرون معه النيل من الغرب إلى الشرق، ويتوقفون ألوفا أمام مسجد صلاح الدين ريثما نصلي على الجثمان، وفي عيونهم وعيوننا دموع لا يخجل منها الرجال.

ويقول رجل من جمهور الواقفين لابنه الشاب، وكلاهما يبكيان: «أنت يا بني تبكي طه حسين لأنك تعلمت منه وقرأت له وسمعت أحاديثه في الإذاعة.

أنا يا بني لم أتعلم من طه حسين، ولم أقرأ كتبه، ولم أسمعه يتحدث في الإذاعة إلا نادرا ومصادفة.

ولكني أبكيه يا بني لأنه هو الذي مكنني - منذ ثلاثة وعشرين عاما - من تعليمك، وهذا أنت قد حققت لنفسك ولأسرتك من الثقافة والكرامة والخير ما حققت.

ناپیژندل شوی مخ