لوتر: مقدمه لنډه
مارتن لوثر: مقدمة قصيرة جدا
ژانرونه
لماذا إذن انتقد لوثر الكنيسة الرومانية، وعد البابا المسيح الدجال؟
لأن [البابا] لا يتشبث بكنوز المسيحية التي ورثها عن الحواريين، بل هو يلحق بها إضافات من الشيطان، ولا ينتفع بهذه الكنوز لإصلاح الكنيسة، بل يسعى لخرابها بإعلاء أوامره فوق أوامر المسيح. إلا أن المسيح حفظ مسيحيته حتى في غمرة هذا الخراب ... كلاهما يبقى في الواقع؛ فالمسيح الدجال يجلس في هيكل الله (الإصحاح الثاني من رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل تسالونيكي، الآيتان 3 و4)، بينما يظل الهيكل إلى الأبد معبد الرب بقوة المسيح.
لم يعتزم لوثر تأسيس كنيسة جديدة، بل تمثلت خطته، التي تبلورت بعد أن قرر أن يصبح إصلاحيا دينيا، في استعادة المسيحية الحقة التي فقدت، ومع ذلك انطوت خطته على تغييرات ثورية في مظاهر وطقوس العبادة إلى حد دفع ببعض رجال الدين والعامة إلى مقاومة هذه التغييرات. فهؤلاء الذين اعتنقوا المذهب البروتستانتي قد مارسوا شعائر مسيحية مختلفة تماما عما عهدوه؛ لأنها لم تكن مذهب أجدادهم.
كان منظور لوثر إلى مظاهر صلاح العذراء مريم في أواخر العصور الوسطى من النماذج التقليدية المعبرة عن خطته؛ فرفض أن تستخدم أي طقوس أو ألقاب تعبر عن حب مريم إذا كانت تنتهك دور ابنها؛ فهي لم تكن شريكا للمسيح في منح الخلاص، ولم تكن الأم الرحيمة التي تقي المؤمنين من قسوة الحساب. كان لقبها «ملكة السماء» مناسبا لها من ناحية، إلا أنه «لا يجعلها إلهة تمنح الهبات وتقدم يد العون كما يفترض البعض عندما يتضرعون ويفرون إليها بدلا من اللجوء إلى الله»؛ فأعظم لقب يمكن أن يدعوها المؤمن به هو لقبها القديم «أم الله»، ومن ثم حذر لوثر أن من يود إجلال السيدة مريم عليه ألا يفردها بذلك:
بل عليه أن يتأملها في وجود الله، وفي منزلة أدنى بكثير منه، وأن يجردها من كل مراتب الشرف، وأن يعدها في مرتبة «متواضعة» (سفر لوقا، الإصحاح الأول، الآية الثامنة والأربعون)، ثم عليه أن يتعجب من فيض نعمة الله الذي نظر إلى هذه الفانية المزدراة واحتضنها وباركها ... إنها لا تريدكم أن تلجئوا إليها، بل تريدكم أن تلجئوا من خلالها إلى الله.
لم يعترض لوثر على مكانة مريم كقديسة شافعة في كنيسة بلدة فيتنبرج ، أو يسع إلى إزالة صورتين لها من بوابة الكنيسة الغربية؛ فوفقا لأحد المصادر زينت صورة للعذراء أحد جدران مكتبه، وألهمته بقول العبارة التالية: «ينام الطفل يسوع على ذراع مريم ليستيقظ يوما ما ويسألنا كيف أدرنا حياتنا.» وقد قبل بتقاليد مقبولة في إجلال السيدة مريم في المسيحية، تقاليد وجب أن تتطهر من صور المغالاة التي أضفيت إليها.
استهدف لوثر كثيرا صور المغالاة تلك وغيرها من ملحقات العصور الوسطى، ففي عظة ألقاها في أوائل ثلاثينيات القرن السادس عشر عرف «فاعلي الإثم» والرسل الكاذبين الذين يشير إليهم سفر متى (في الإصحاح السابع، في الآيتين الثانية والعشرين والثالثة والعشرين) بأنهم خصومه في الكنيسة الرومانية، وعلل استنكاره لهم قائلا:
تعرضون علي تعاليمكم وبراهينكم التي ترشدني إلى تسابيح ورحلات حج وعبادة قديسين وصلوات قداس ورهبنة وغيرها من الأعمال الخاصة التي اخترتم بأنفسكم القيام بها، لكنني لا أجد فيها شيئا عن المسيح، عن الإيمان، عن المعمودية، أو عن القرابين [المذابح] المقدسة أو الأعمال الصالحة التي علمني المسيح أن أمارسها في موقفي تجاه الآخر.
لا يحدد هذا الاتهام الذي وجهه لوثر «الإضافات» التي رفضها وحسب، لكنه يوضح من جديد «كنوز» المسيحية التي أراد أن يطهرها ويحفظها، ألا وهي تمجيد المسيح وحده فوق كل شيء، والإيمان الحق والأعمال الصالحة الحقيقية، والاستخدام السليم للقرابين المقدسة، وسيوضح تناول كل هذه الموضوعات على الترتيب المسيحية المجددة التي أراد لوثر إعادتها لألمانيا.
أول هذه الموضوعات - وهو تمجيد المسيح وحده - شكل المبدأ الرئيس لحركة الإصلاح الديني؛ لأنه كان المعيار الذي أصدر به لوثر حكمه على عقائد الكنيسة الرومانية ومظاهر العبادة بها في أواخر العصور الوسطى، ووظيفة هذا المعيار هي حماية تفرد المسيحية بمنع أي فرد كان من انتزاع مكانة المسيح كالمخلص الأوحد للعالم. وقد كان التهديد الأقرب لمكانته هو رفع مكانة السيدة مريم إلى مكانة شريكه في منح الخلاص، لكن عبادة القديسين بوجه عام كانت مرفوضة بسبب بعض الشعائر المتصلة بها كالتضرع إلى القديسين بدلا من الرب ، وإسناد معجزات وقوى حارسة خاصة بالقديسين الشافعين - كالقديسة أورسولا والقديس كريستوفر - وكجمع الآثار المقدسة وإيداعها في الأضرحة المحلية، وتقديم الوعود بحصول المعجزات وبالغفران للمسيحيين الذين يحجون إلى تلك الأضرحة، وإضافة مذابح لأضرحة بعض القديسين التي تجذب نساكا مخلصين أكثر من المذبح الرئيس الذي يحتفل فيه بالقداس، وتسمية الأخويات وكنائسها الصغيرة بأسماء القديسين، وتأجير القساوسة لتلاوة صلوات خاصة لأنفسهم ولأقاربهم. رغم هذا تمتعت عبادة القديسين بشعبية؛ لأنها أتاحت للمؤمن منفذا مباشرا ومحددا وشخصيا إلى عالم القوى المقدسة بدلا من الثالوث المهيب المنفصل عنه، ومن هنا لم يتقبل العامة على الدوام فكرة تمجيد المسيح وحده أو يتفهموها حتى، فلم يضطرون إلى ترك منفذهم المباشر المادي إلى العون الإلهي لآخر لا يلمسونه بالقدر نفسه؟ بل لم يتخلوا عن قناة الوصل تلك حتى عندما تحولوا إلى البروتستانتية، وعليه أتاح لوثر والإصلاحيون الآخرون اللجوء إلى ملائكة حارسة بدلا من القديسين (ولو ببهرجة أقل وقوى أضعف)، فتقبلها المسيحيون البروتستانتيون بسرور.
ناپیژندل شوی مخ