لوتر: مقدمه لنډه
مارتن لوثر: مقدمة قصيرة جدا
ژانرونه
الفصل الثالث
جهود الإصلاح
عاد لوثر إلى فيتنبرج في 6 مارس عام 1522، في اليوم نفسه الذي قرر فيه مجلس بلدية المدينة أن يمنحه ثوب قماش ليصنع منها زي الراهب الجديد الخاص به. واتساقا مع هذا التناقض الذي تعبر عنه عبارته التي قالها قبل ذاك بأربعة أشهر «لست راهبا لكنني ما زلت راهبا»، ارتدى لوثر ثياب الرهبانية حتى عام 1524، في الوقت نفسه الذي أصبح فيه قائد الحركة الإنجيلية البروتستانتية. ولم يكن يتوهم أنه سيحقق الإصلاح الديني بنفسه، ففي خطاب كتبه في فارتبورج حث ميلانشتون وزملاء آخرين على أن يحملوا رسالتهم إلى خارج فيتنبرج، فكتب يقول:
أنت تلقي المحاضرات، وآمسدورف يلقي المحاضرات، ويوناس سيلقي المحاضرات، لكن هل تودون أن تعلن مملكة الرب في بلدتكم فقط؟ ألا يحتاج الآخرون إلى الكتاب المقدس؟ ألن تنجب أنطاكيتكم سيلا أو بولس أو برنابا لمهمة روحانية أخرى؟
تبين الإشارة إلى هؤلاء المبشرين البارزين الواردين في «سفر أعمال الرسل»، وتشبيه مدينة فيتنبرج بأنطاكية؛ أن لوثر تصور حركة الإصلاح الديني كمهمة تبشيرية تنبثق من فيتنبرج؛ حيث تعين عليه أن يرسخ قيادته ويرسم معالمها. وفي 9 من مارس عام 1522، ألقى في كنيسة البلدة أول عظة دينية من العظات الثمانية التي تصف الكيفية التي سيغير بها وتيرة واتجاه حركة الإصلاح التي مهد لها زميله كارلشتادت. دعت عظات الصوم الكبير الثمانية تلك (التي أطلق عليها هذا الاسم نسبة إلى أحد الصوم الكبير في تقويم الطقوس الدينية) إلى إبداء تعاطف أكبر مع العامة الذين أزعجتهم وأربكتهم التغيرات المفاجئة التي طرأت على طقوس العبادة والطاعة، وهذا تطلب آنذاك أن تأخذ حركة الإصلاح وتيرة أبطأ. دافع كارلشتادت بقوة عن موقفه في هذا الشأن، لكنه لم يملك خيارا إلا ترك تلك المبادرة للوثر.
إلا أن لوثر لم ينو الإبطاء كثيرا، فوفقا لمنظوره الديني إلى التاريخ، يجب اغتنام لحظة الإصلاح؛ فكتب أن كلمة الرب وفضله كانا دائما كسيل المطر العابر الذي لا يعود قط إلى مكان مر به. وبين عامي 1522 و1530 دفعه هذا الشعور بالعجلة إلى البحث مع زملائه في فيتنبرج عن إجابات لقضايا مهمة، منها: السرعة التي يجب أن تلغى بها صلوات القداس الخاصة (التي تضم رجال الدين وحدهم)، والتي يجب أن يقدم بها الخمر والخبز معا إلى العامة في العشاء الرباني، وتبنى بها طقوسا دينية عامة جديدة؛ والكيفية التي يجب أن ينظم بها الزواج، وتوضيح حدوده في ضوء أن عزوبية رجال الدين لم تعد شرطا، وأن المحاكم الأسقفية لم تعد موجودة للفصل في الخلافات الزوجية؛ وحدود طاعة المسيحيين للسلطات المدنية، بالأخذ في الاعتبار أن الأمراء ومجالس المدن تحديا الإمبراطور ودعما حركة الإصلاح؛ وهل يجب أن تمنع النذور الرهبانية؛ والشروط التي يجب أن توضع للرهبان والراهبات الذين يرفضون ترك أديرتهم؛ والكيفية التي يجب أن يجري بها العامة معاملاتهم الشخصية والمالية مع اقتراب نهاية العالم - كما اعتقد لوثر؟ للإجابة على القضية الأخيرة لجأ لوثر إلى عظة الجبل، وخلص منها إلى أن المسيحيين يجب ألا يطالبوا بفوائد. أما فيما يتصل بالسلوكيات المجتمعية فكان لوثر أكثر واقعية؛ حيث خفف تعاليم المسيح التي تنهى عن مقاومة الشر بالإصحاح الثالث عشر من رسائل العهد الجديد إلى أهل رومية التي أوصت بطاعة الحاكم. وكتب أن المسيحي الحق لا يحتاج إلى الحكومات؛ لأنه لن يرتكب الشر أو يقاوم وقوعه عليه، غير أنه أدرك أن القليل من مخلصي الإيمان يحيون حياة مسيحية نموذجية، ومن هنا كانت السلطات المدنية ضرورية لإحكام السيطرة على الشرور. وحث لوثر المجتمعات المسيحية عام 1523 مدفوعا بحبه للدين المسيحي، وليس فقط بشعوره بواجبه الوطني، على أن تعيد توجيه ثروة مجالس الرهبان والأديرة لإغاثة الفقراء وإلقاء العظات والتعاليم البروتستانتية.
سيرت الأحداث الجارية آنذاك لوثر وقادته إلى اتخاذ مواقف خلافية، فوضعته ثورة الفلاحين، التي قامت عام 1525، بين شقي رحى، فأعلن من ناحية أن تظلمات العامة مشروعة، لكنه رفض من ناحية أخرى العنف الذي عمدوا إليه لتحقيق غاياتهم. وعندما دافع عن السبل القاسية التي استخدمها أمير فيتنبرج وغيره من الحكام لإخماد الثورة، اتهم بأنه تابع خنوع للحكام. وبعد أن هزمت الجيوش العثمانية التركية الجيش المسيحي في المجر عام 1526، وحاصرت فيينا عام 1529؛ رأى لوثر أن للمسيحيين الحق في الالتحاق بالجندية، وأن الحرب ضد الأتراك مبررة ما دامت لا تعد حربا صليبية، وطالما وعى الجنود المسيحيون أن مهمتهم تنحصر في الدفاع عن جيرانهم وأحبائهم. ووصف لوثر في رسالته «حرية المسيحي» - التي كتبها في أواخر عام 1520 وأرسلها إلى البابا ليو العاشر قبل أن يحرمه الأخير كنسيا بوقت ليس بطويل - أن المسيحي المثالي يجعله إيمانه سيد الأحرار، لا يخضع لأي كان، لكن حبه يجعله أكثر الخدام برا. غير أن تطبيق هذا المبدأ على النزاعات غير المتوقعة التي شهدتها عشرينيات القرن السادس عشر؛ مثل للوثر تحديا مليئا بالصعاب.
انشغل لوثر طوال هذا العقد بالانقسامات التي نشأت داخل دائرته وخارجها. أتت التحديات التي واجهها من زميله كارلشتادت وأولريش زفينجلي والدعاة إلى تجديد العماد؛ إذ تبنت جميع هذه الفرق تفسيرا مختلفا للقرابين المقدسة ومارسوها بطرق لم يقبلها لوثر. بعد أن غادر كارلشتادت فيتنبرج تخلى عن منصبه بالجامعة، واستقر في بلدة أورلاموند، ليجعلها المجتمع المسيحي الذي تصوره من أجل فيتنبرج، وتوقف عن عماد الأطفال، واحتفل بالعشاء الرباني بطقوس بسيطة باللغة الألمانية بدون ارتداء زي الرهبان، وأسس في كتيبات وجهها للوثر عقيدة روحانية دينية، تنكر أن الخلاص الذي تحقق على الصليب يجب أن ينقل بوساطة القرابين المقدسة. إزاء هذا، دافع لوثر عن إلقاء العظات في العشاء الرباني، وعن القرابين المقدسة بوصفها وسائل خارجية لنيل مباركة الرب، وتنقل من خلالها كنوز الصليب بطريقة علنية وشخصية على حد سواء. رأى كارلشتادت أيضا أن كلمات المسيح التي أسست طقس العشاء الرباني لم تعن حرفيا أن خبز المناولة هو جسد المسيح، وأن خمر العشاء الرباني هو دمه. في هذا الصدد تبنى زفينجلي نظير لوثر في زيوريخ رأيا مغايرا؛ لاعتقاد الأخير بأن المسيح يتجسد حقا في الخبز والخمر؛ إذ رأى أن المسيح عنى أن تفهم كلماته بالمعنى الروحاني والمجازي لها، بمعنى أن الخبز والخمر يرمزان فقط إلى جسده ودمه اللذين قدما لخلاص الجميع، وعد القرابين المقدسة توحدا روحانيا مع الصليب، لكنها لا تنطوي على أي حضور مادي غامض للمسيح فيها، ولم يمنح الخلاص من خلالها. من ثم لم يستطع زفينجلي ولوثر أن يتفقا حول هذه النقطة في اللقاء الوحيد الذي جمع بينهما في ماربورج عام 1529، وقاد اختلافهما إلى شقاق دائم بين الشق اللوثري والشق الإصلاحي من حركة الإصلاح البروتستانتية.
لكن المعسكرين الإصلاحيين اتحدا في معارضة دعاة تجديد العماد الذين انشقوا عن مذهب زفينجلي عام 1525، حول الوتيرة التي يجب أن تتقدم بها حركة الإصلاح في مدينة زيوريخ. اتهم زفينجلي من قبل نقاده بالمغالاة في الحذر، واتهم عماد الأطفال - الذي عده أتباع زفينجلي المتشددون منافيا لتعاليم الإنجيل - بأنه جعل الكنيسة تابعا لحكومة المدينة وأخضعها لحكامها. أما لوثر فقد نشر عام 1528 رفضا لعماد المؤمن، وامتدح عماد الأطفال، واصفا إياه بأنه ملمح طيب من ملامح المسيحية قبل مولد حركة الإصلاح؛ إذ إن رهن العماد باتخاذ قرار متعمد باعتناق الإيمان، يجعل الخلاص قائما على القرارات البشرية المزعزعة ويبخس نعمة الله حقها. شكلت حدود اختيار الإنسان حجة لوثر أيضا أمام إراسموس، رائد الحركة الإنسانية، الذي هاجم رفض لوثر لإرادة الإنسان الحرة عندما يتعلق الأمر بالفضل الإلهي والخلاص؛ فأوضح لوثر في رسالة كتبها عام 1525 بعنوان «الإرادة المقيدة» أن قوة الخطيئة سيطرت على الإرادة البشرية قبل أن يحررها الروح القدس لتثق بالرب، وبعد العماد يظل المؤمن يستند إلى قدرة الروح القدس على الإبقاء على إيمانه ووقاية إرادته من الوقوع مجددا في الخطيئة. عرضت هذه الفكرة في منظور لوثر جوهر المسيحية الذي وصفه بأنه البشارة للخطر؛ فالسبيل الوحيد إلى الخلاص هو الإيمان بالمسيح، وهذا الإيمان هو هبة من الروح القدس، وليس خيارا يتخذ بالإرادة المحايدة التي أنكر لوثر وجودها. كانت المخاوف نفسها تقف وراء جدل لوثر مع خصومه الكاثوليكيين حول صلوات القداس الخاصة والحج والصوم وصكوك الغفران والنذور الرهبانية وعزوبية رجال الدين وإخراج الصدقات والتضرع إلى القديسين؛ حيث امتدحت تلك الأعمال على أنها متممة للإيمان، أو أعمال صالحة يمكن أن تستخدمها إرادة الإنسان الحرة في إسعاد الرب ونيل الخلاص بسهولة أكبر من الوصول إليه بالإيمان وحده. وشعر لوثر وزملاؤه أن من الأهمية بمكان نبذ هذه الأعمال أو تقويمها، ولكن تعين عليهم أيضا إيجاد طرق جديدة يغذي بها المؤمن إيمانه ويعبر عنه.
شكل انتشار حركة فيتنبرج الإصلاحية الدينية السريع بألمانيا وخارجها وصولا إلى بلاد أوروبا الشرقية وإسكندينافيا قوة دافعة تهيئ لذلك. فعندما تتحول بلدة أو منطقة إلى المذهب البروتستانتي، تمنع السلطات المدنية صلوات القداس على طريقة العصور الوسطى، مؤثرة طقوس العبادة اللوثرية، وتسحب من المناطق الخاضعة لسلطتها الأساقفة الكاثوليك، وتسمح للرهبان والراهبات والقسيسين بالزواج، وتحرم علنا أغلب مظاهر العبادة القديمة، وتوضع قوانين لهذه الإجراءات لكل إمارة في هيئة دساتير دينية جديدة، وصفت بأنها أوامر كنسية. اضطلع زميل لوثر جون بوجنهاجن آنذاك بجزء كبير من هذه المسئولية في شمال ألمانيا والدنمارك. وقد خلفت ثورة الفلاحين في ساكسونيا وحولها في آثارها أبرشيات مهملة، يشعر رعاتها بالحيرة ويحتاجون إلى إرشاد ومواد جديدة، يتمكنون من خلالها من تحويل رعاياهم إلى المذهب البروتستانتي. وقدم لوثر نفسه أهم الأدلة الإرشادية في هذا الصدد؛ أدلة عن إلقاء العظات الدينية حول النصوص الإنجيلية وطقوس العبادة البروتستانتية في كتابه «القداس الألماني» (عام 1526)، بالإضافة إلى الترانيم الدينية وتراجم الكتاب المقدس، وكتب تلخيص العقيدة المسيحية (الكبيرة والصغيرة في عام 1529) التي تفسر لعموم الناس ورجال الدين الوصايا العشر وقانون الإيمان والصلاة الربية والقرابين المقدسة. وكتب مع ميلانشتون أمرا كنسيا لمقاطعة ساكسونيا عام 1528، استخدمته فرق التفتيش البروتستانتية لتقييم حال أبرشيات ساكسونيا، ونصح رعاتها بوسائل تدريس الرسالة البروتستانتية وإعادة تنظيم الكنائس.
ناپیژندل شوی مخ