ويقال نحو ذلك في الاصطلاحات اللغوية التي اقتضتها العلوم اللغوية، كالنحو والعروض والشعر والإعراب والإدغام والإعلال والحقيقة والمجاز والنقض والمنع والقلب والرفع والنصب والخفض والمديد والطويل، وغيرها من أسماء البحور وضروب الإعراب والتصريف وهي كثيرة جدا ولها فروع واشتقاقات ... حتى لقد أصبح للفظ الواحد معنى فقهي، وآخر لغوي، وآخر عروضي، وآخر ديني، مما لا يمكن حصره. وسنذكر أمثلة أخرى عند الكلام على اصطلاحات المنطق وعلم الكلام.
وأحدث الإسلام تغييرا كبيرا في أساليب التعبير كقولهم: «أطال الله بقاءك!»، فإن أول من قالها عمر بن الخطاب لعلي بن أبي طالب. (1-3) الألفاظ المهملة
وكما أحدث الإسلام ألفاظا جديدة للتعبير عن معان جديدة اقتضاها الشرع الجديد والعلم الجديد، فقد محا من اللغة ألفاظا قديمة ذهبت بذهاب بعض اعتقادات الجاهلية وعاداتهم، منها قولهم «المرباع» وهو ربع الغنيمة الذي كان يأخذه الرئيس في الجاهلية، و«النشيطة» وهي ما أصاب الرئيس قبل أن يصير إلى بيضة القوم، أو ما يغنمه الغزاة في الطريق قبل الوصول إلى الموضع الذي قصدوه، و«المكس» وهو دراهم كانت تؤخذ من بائعي السلع في الأسواق في الجاهلية، وكذلك الإتاوة والحلوان.
ومما أبطل قولهم: «أنعم صباحا» و«أنعم ظلاما»، وقولهم للملك: «أبيت اللعن!»، وقول المملوك لمالكه: «ربي»، وتسمية من لم يحج «صرورة»، وغير ذلك. وقد نرى بعض هذه الألفاظ مستعملا في اللغة الآن، فهو إما مستعمل في غير معناه الأصلي، وإما أنه قد أرجع إليه بعد إهماله.
على أننا لا نشك في إهمال كثير من الألفاظ العربية في القرنين الأولين للهجرة، ولا سبب لذلك غير ما يقتضيه النمو من التجدد والدثور. يكفي لتحقيق ذلك مراجعة المعجمات وتدبر ألفاظها، فإنك ترى فيها مئات وألوفا من الألفاظ التي بطل استعمالها، ولا نظنهم جمعوها في صدر الإسلام إلا لأنها كانت شائعة على ألسنة العرب.
وقد يعترض على ذلك أن تلك الألفاظ إنما أهملت في العصور الأخيرة، فلا ننكر إهمال بعضها في هذه العصور، ولكن جانبا كبيرا منها أهمل في العصور الأولى فضلا عما قل استعماله قبل الإسلام، حتى لقد كان أحدهم يسمع أعرابيا يتكلم فإذا ذكر ألفاظا مهملة أغلق على السامع فهمها ولو كان لغويا: •••
يروى عن أبي زيد الأنصاري أنه قال: «بينما أنا في المسجد الحرام، إذ وقف علينا أعرابي فقال: يا مسلمون - بعد الحمد لله والصلاة على نبيه - إني امرؤ من هذا الملطاط الشرقي، المواصي أسياف تهامة، عكفت علينا سنون محش، فاجتبت الذرى، وهشمت العرى، وجمشت النجم، وأعجت البهم، وهمت الشحم، والتحبت اللحم، وأحجنت العظم، وغادرت التراب مورا، والماء غورا، والناس أوزاعا، والنبط قعاعا، والضهل جزاعا، والمقام جعجاعا، يصبحنا الهاوي، ويطرقنا العاوي. فخرجت لا أتلفع بوصيده، ولا أتقوت بمهيده، فالبخصات وقعة، والركبات زلعة، والأطراف فقعة، والجسم مسلهم، والنظر مدرهم، أعشو فأغطش، وأضحى فأخفش، أسهل ظالعا، وأحزن راكعا! فهل من آمر بمير، أو داع بخير، وقاكم الله سطوة القادر، وملكة الكاهر، وسوء الموارد، وفضوح المصادر؟!» قال أبو زيد: «فأعطيته دينارا، وكتبت كلامه واستفسرت منه ما لم أعرفه.» وأبو زيد الأنصاري من فطاحل أئمة اللغة. وأمثال هذه كثيرة في أخبار العرب.
الألفاظ الإدارية
(1) مصالح الدولة
كانت مصالح الدولة قبل الإسلام عبارة عن مناصب كبار الأمراء من قريش في الكعبة، كالسدانة والسقاية والرفادة والقيادة والمشورة والأعنة والسفارة والحكومة والعمارة وغيرها، وكلها عربية يدل لفظها على معناها. فلما ظهر الإسلام وفتح المسلمون الشام والعراق ومصر وفارس، أنشئوا على أنقاض دولتي الروم والفرس دولة دونوا فيها الدواوين، ونظموا الجند، وسنوا القوانين على ما اقتضاه تمدنهم مما لم يكن له مثيل في جاهليتهم، فاضطروا للتعبير عن ذلك إلى ألفاظ جديدة فاستعاروا بعضها من لغات القوم الذين أقاموا بينهم وخاصة الفرس واليونان والرومان، واستعملوا لما بقي ألفاظا عربية حولوا معانيها حتى تؤدي معاني تلك الموضوعات، كما فعلوا في الاصطلاحات الشرعية واللغوية. ولو شئنا ذكر كل ما استحدث من تلك الألفاظ لما وسعه غير المجلدات، فنكتفي بالأمثلة. (1-1) الألفاظ الإدارية العربية
ناپیژندل شوی مخ