وكانت منى إذا أحست ما أنزلته أخبارها بإيفون من ألم حادت بموضوع الحديث إلى غيره، واستدرت هي أحاديث إيفون.
فرغت إيفون من عملها بالشركة في يومها ذاك، وذهبت إلى البنسيون الذي تقيم فيه، وتناولت غداءها، ثم بدلت ملابسها ونزلت قاصدة بيت منى.
واستقبلتها منى في إشراقة مبتدرة ما لبث غيم من ألم أن غشاها، كأنه الغصة تحسها عند رفيقك ولا تراها. وتجاهلت إيفون هذه الإلمامة العارضة التي شابت استقبال منى، وجلستا. وقالت إيفون: هل ذهبت إلى هناك؟
وقالت منى في اقتضاب: أبدا. - ألم تسمعي شيئا جديدا من عمي شفيق؟ - أبدا. ما أخبارك أنت؟ - أنا مبسوطة، جميع من في المكتب يحبني وعملي يسليني دائما، وأتعلم الآن الآلة الكاتبة، وأعتقد أنهم سيعطونني علاوة، والرئيس يقول إنه سيرقيني و...
وقبل أن تكمل وجدت نفسها تبكي بكاء حاولت جاهدة ألا تصل به إلى النشيج، ولكن هو البركان لا يوقفه شيء. وحزرت منى ما يبكي ابنة عمها فراحت تربت كتفها في حدب وألم، ثم قامت عنها وأحضرت لها كوب ماء وكولونيا. واستطاعت إيفون أن تسكت أخيرا وقالت: آسفة يا منى. - لا عليك يا إيفون أنا فاهمة.
وأقامت إيفون بعد ذلك، وراحت تلقي الحديث محاولة أن تبدو أمام منى أنها تمالكت نفسها، ومنى ترنو إليها في إشفاق. وضاقت إيفون بإشفاق منى، وودت لو تستطيع أن تقول لها: أنا بخير. أنا سعيدة. أنا في غير حاجة إلى شفقة من أحد، حتى ولا منك، أنت التي لا أستطيع أن أدخل بيتا غير بيتها.
ولكنها لم تستطع أن تقول شيئا. كيف تقول؟! ولم تجد ما تفعله إلا أن تقوم فقامت وهمت بالانصراف، وفتحت الباب الخارجي وهي تتباطأ. هناك سؤال لم تسأله منى، سؤال كانت تسأله لها في كل مرة تزورها فيها، لم تسأله لها هذه المرة: متى تجيئين؟ لعلها نسيت، تباطأت مرة أخرى، ولكن السؤال لم يدر بذهن منى. لا بد أنها ناسية. ماذا أفعل حتى أذكرها؟! تحدثت عن فراغها وعن السعادة التي تلقاها بزيارتها لها، ولكن الحديث الدائر البعد لم يفد شيئا، ولما أخفقت الإشارة عمدت إلى التصريح: منى هل أنت في البيت بعد غد؟
وصمتت منى قليلا، وسارعت إيفون: لا عليك، آتي في اليوم الذي يليه.
وصمتت منى مرة أخرى، وقالت إيفون في تشبث: لا عليك ... آتي ...
وقبل أن تكمل قالت منى في ألم متخاذل خجلان: والله يا إيفون لا أدري ماذا أقول لك؟
ناپیژندل شوی مخ