وضحكت وهي تقول: لا أدري، لقيتك تهمس فهمست مثلك. - أين ينامون؟ - في الناحية الأخرى من البيت. أنت تعرف حجرة أبي، ألا تذكرها؟ - أنا لم أنس شيئا هنا أبدا. إذن فهم لن يسمعونا أبدا. - أبدا. - هل أنت خائفة؟ - أخائف أنت؟ - أنا ... أبدا ... أبدا. - بل أنت خائف. - ألا يستيقظ أحدهما في المساء؟ - إذا ما دخلا حجرة النوم فإن أحدا منهما لا يتركها إلا في الصباح. - إذن فلا داعي للخوف. - ولكنك خائف مع هذا. - أبدا. - ها نحن التقينا على انفراد. - نعم ... نعم. - هل كان عم الشيخ سلطان صاحيا حين نزلت؟ - هه، نعم. - ألم تخف أن يراك؟ - وماذا لو رآني؟! - يضربك. - يضربني؟! يضربني أنا؟! لم يبق لي إلا بعض شهور وأصبح في الجامعة ويضربني! - ألم يضربك منذ قريب لأنك لم تصل الفجر حاضرا؟
وارتسمت الدهشة على وجه عباس، وصمت، وأحس بالخزي يسري في دمائه جميعا، وانعقد لسانه، لم يدر ماذا يقول. وما لبث إحساس بالغيظ أن ملأ نفسه من أخته وهيبة، ثم ما لبث إحساس بالغيظ أن ملأ نفسه من الصلاة جميعا، وأقسم في نفسه ألا يصلي إلا إذا أجبره أبوه على الصلاة، ثم عاد إلى خزيه مرة أخرى ووجد نفسه واقفا إزاء إيفون في أول لقاء لهما بنجوة من العيون والآذان، ثم هو صامت ولكنه مع ذلك لم يجد شيئا يقوله. وأدركت إيفون ما يدور فيه من خزي فقالت في بساطة: ماذا؟ هل زعلت لأني قلت إن أباك ضربك؟
وأطرق عباس وهو يقول: لا أبدا. - وماذا يهمك؟ أنا أعرف أنه يضربك كلما قصرت في الصلاة، ومع ذلك فأنا ...
ورفع لها وجها مليئا بالأمل أن يسمع منها ما لم تقله، وقال في لهفة: هيه. - هيه ماذا؟ - فأنت ماذا؟ - ماذا تريد أن تسمع؟ - ألا تعرفين؟ - لا. - قوليها، قوليها وحياة النبي.
وضحكت إيفون ضحكة خبيثة فيستدرك: وحياة ... وحياة ... وحياتي أنا. - ماذا تريدني أن أقول؟ - أحبك. - وهل تريد دليلا؟ - أريد أن أسمعها. - أيهما أحسن عندك، أن أدعوك إلى حجرتي هنا، أم أن أقول لك؟ - هيه، قولي.
وهمست إيفون: أحبك.
واغرورقت عينا عباس بالدموع طفرت فجأة، ووجد نفسه وقد انتابه صمت فرحان؛ فقلبه وجيب وعيناه ضياء ووجهه فرحة. أراد أن يقول شيئا فلم يجد ما يقول، ثم التذ هذا الصمت الذي ما زال صدى الكلمة يرن فيه، وكأنما أراد لهذا الصمت المندى بما سمع ألا يقطعه شيء، وتمنى أن يظل فيه لا يخرج منه، وأن يظل هذا الصدى يملأ حوله، كل ما حوله، ويملأ من نفسه كل نفسه، لا يشوبه شيء من حديث يطمس ما أشاعته فيه «أحبك» من نغم كان نشيدته منذ سنوات وسنوات.
وأحست إيفون بالفرحة الكبيرة التي يحياها عباس، ووجدت نفسها تفرح معه فإذا فرحتها ابتسامة عريضة على فمها وهمسة مجنحة: استرحت؟
ولم يستطع عباس أن يجيب، وإنما كل ما استطاع هو أن يخطف يدها ويهوى عليها ليقبلها في جنون فرحان، وانحنت عليه إيفون تربت كتفه، فرفع عينيه إليها فوجد نفسه يلقفها بين أحضانه والتقت الشفاه في قبلة طويلة.
وحين أفاقت إيفون من حميا القبلة أخجلها أن تقبله مثلما قبلها، فقالت في حزم: انزل!
ناپیژندل شوی مخ