أما وجوه المضرة في بقائها، فقد أصبحت شيئا يحس، وأصبح مثلها كمثل الهواء، فقد كنا نشعر به ولا نراه، حتى سلطوا عليه ضغط الجو فتكاثف حتى همت الأيدي بلمسه، وتلون حتى وقع من النظر تحت حسه.
فمنها أنهم نصبوها حبائل لصيد المال، فأقاموا لها سوقا فرشت فيها الصحف، وركزت الأقلام، وعرضت للبيع أعراض الناس، فتراهم يجلسون للمساومة في تلك الأعراض، ويأتي حامل الضب
20
لأخيه فيساومهم في تمزيق عرض من أراد، ويشهر ذلك في المزاد.
ومنها دبيب الفساد إلى أخلاق العامة؛ لكثرة ما يقرءون ويسمعون من ألفاظ السباب. وإذا فسدت الأخلاق في أمة، فقد فسد فيها كل شيء.
ومنها دخول السقاط من القوم في زمرة المحررين، اللهم إلا نفرا من أنصار الفضيلة ذهب صرير أقلامهم ضياعا في وسط تلك الضجة القائمة. وهذا قليل من كثير؛ فانصرف يا ولدي الآن؛ فقد قطعتني عن ذكر الرحمن.
انصرفت بصاحبي وقد أخذت منه العظة، وتمشى فيه الاعتبار، حتى إذا بلغنا حديقة الحيوانات قلت لصاحبي: هذا قصر إسماعيل الذي يقول في وصفه صاحب عيسى بن هشام: «ووصلنا إلى قصر الجيزة، ومتحف الآثار، وملتقى السيارة من سائر الأقطار، فدخلنا
مغاني الجواري، وأن ساكنات البيد تلعب في ملاعب الغيد، فقلت: بيت إسماعيل، طالما كانت حجراته مطالع للأقمار، ودرجاته منازل للأقدار. كان إذا نادى صاحبه فيه: «يا غلام.» شقيت أقوام وسعدت أقوام، ولبى نداءه البؤس والندى، بأسرع من رجع الصدى. هنا كان يفصل الأمر ويحكم، وينقض الحكم ويبرم،
الأقدار. هنا كانت فرائد القلائد، من أجياد الخرائد تختلط بمنثور أزهاره، فترصع لجين أنهاره. هنا كانت تتناثر الجواهر من قدود الحسان، فتشتبه بأثمار الأغصان. هنا كانت تصدح القيان على المزاهر والأعواد، فتجاوبها الورق على الأفنان والأعواد، فأصبح حديقة عامة، وموطئا للخاصة والعامة، وأصبحت أرضه تكترى،
الأسود، وعواء الذئاب، وهمهمة الفهود، وزال ما كان فيه من عز وطول، ومجد وصول، وأيد وحول. وصدق الكتاب فحق القول:
ناپیژندل شوی مخ